Okaz

احلب، يلد األساطير!

-

اعتاد الناس تداول بعض األوهـام واألفكار املتخيلة عن الحب، ودأبوا على ترديدها فيما بينهم بال تأمل أو تفكير حتى تغلغلت في أذهانهم وصارت عندهم كحقائق صادقة، ال مجرد أوهـام، ودعم ذلك عندهم ما تزخر به بعض كتب التراث العربية من كذب ومبالغة في وصف الحب ومـا يصيب املحبني بسببه، فكان أن رسخت في أذهــان الناس أساطير كثيرة حــول الـحـب. مـن تلك األسـاطـيـ­ر الـتـي راجــت بـني الـنـاس وصارت عندهم كقاعدة ال تتغير، الزعم بـأن الحب األول حب ثابت ال يـزول من القلب وال يتزحزح عنه، (نقل فؤادك حيث شئت من الهوى،، ما الحب إال للحبيب األول)، (ولكن حبا خامر القلب في الصبا،، يزيد على مر الزمان ويشتد). ومنها ادعاء ديمومة الحب، بمعنى أن القلب متى تعلق بأحد، ال يمكن أن يزول حبه عنه أو يستبدل به أحدا غيره (قضى الله يا أسماء أن لست بارحا،، أحبك حتى يغمض العني مغمض)، (ولو أصبحت ليلى تدب على العصا،، لكان هوى ليلى جديدا أوائله). (فيا حبها زدني جوى كل ليلة،، ويا سلوة األيام موعدك الحشر). ومنها أيضا ادعاء ظهور أثر الحب على الجسد، فالحب يصيب العاشق بالهزال والشحوب، (إن في بردي جسما ناحال،، لو توكأت عليه النهدم)، (وملا شكوت الحب قالت: كذبتني،، فما لي أرى األعضاء منك كواسيا؟). ومنها أن الحب (مراتب) بعضها أشد من بعض، وكلما علت مرتبة الحب اشتد تأثيرها على املـحـب، فأخف مـراتـب الحب أن يصعق العاشق أو يغمى عليه كلما وقع على سمعه ذكر الحبيب الغائب، وأعالها أن يحل به املوت بسبب الحرمان منه، (وقالت: هويت فمت راشدا،، كما مات عروة غما بغم)، (خليلي، هل ليلى مؤدية دمي،، إذا قتلتني، أو أمير يقيدها)؟ وبني هاتني املرتبتني مرتبة وسطى وهي مرتبة الجنون فيسلب الحب العقل من صاحبه، (بي جنون الهوى، وما بي جنون،، وجنون الهوى، جنون الجنون)، (قالوا جننت بمن تهوى، فقلت لهم،، ما لذة العيش إال للمجانني). الحب سر غامض، ال أحد إلى اآلن استطاع أن يفك طالسمه، وأن يغوص إلى خفايا مكنوناته، ولعل هذا العجز عن إدراك مفهوم جلي لحقيقة الحب، هو ما أدى بالناس إلى وضع تلك التخيالت عنه وترسيخ ما فيها من أساطير منسوبة إلى الحب.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia