جامعة الدول العربية اجلديدة جداً
لــن نــقــدم الـنـصـح واالقــتــراحــات للقمة الـعـربـيـة بمناسبة اجتماعها السابع والعشرين في نواكشوط عاصمة الجمهورية املوريتانية، ولن نحذر من الخطر الداهم واملحدق باألمة العربية، واملصلحة العربية واألمن والسلم العربيني واالقتصاد العربي، والثقافة العربية والهوية العربية واللغة العربية. ولن نذكر القمة العربية بكوارث اإلرهاب والطائفية والفساد، ولن نذكر القمة العربية بالالجئني العرب الذين ضاقت بهم مالجئ العالم وأرصفة مدن العالم وقوارب البحر األبيض املتوسط وسفن املحيطات الهندي والهادئ واألطلسي، بعد أن دمر اإلرهاب االسـتـعـمـاري بيوتهم ومـدارسـهـم ومشفياتهم ومدنهم وحـقـولـهـم ومـصـانـعـهـم. ولــن نــحــذر الـقـمـة الـعـربـيـة من املستعمرين الـقـدامـى الـذيـن عـــادوا مـن نـافـذة سايكسبيكو الـجـديـدة ليصنعوا الـشـرق األوســـط الـجـديـد على أنــقــاض خـريـطـة الــوطــن الــعــربــي وعــبــر بــوابــة اإلرهاب والطائفية وصناعة الــدول الفاشلة في املنطقة وصوال للتقسيم االستعماري الثاني على أساس عرقي وطائفي ومـذهـبـي وقـبـائـلـي، ومــن خــالل سـرقـة املـتـاحـف واآلثار ومسح ما تبقى من الذاكرة العربية. لقد أصبح الحاضر العربي أضيق من خرم اإلبرة، فلم يعد يتسع هذا الحاضر حتى للحد األدنى من طموحات األجيال الحاضرة، ناهيك عن طموحات الوحدة وتطلعات النهضة العربية الشاملة والـتـي ورثتها األجـيـال منذ خمسينات وستينات القرن املاضي. طموحات بدت حينئذ واعدة بعد أن ترجمتها الجامعة حني تأسيسها إلى مواثيق ومعاهدات وإستراتيجيات وسياسات وبرامج في كافة مجاالت التكامل بني الدول، لكنها في كل مرة تقف عند إرادة الفعل. فئة منا نحن الـعـرب يعتقد أن الجامعة العربية فـكـرة بريطانية هدفها إجهاض الوحدة العربية التي كانت تتبلور آنــذاك، يجب حلها والتخلي عنها، وفئة أخرى تعتقد بأن الجامعة ال حاجة لها ألنها منذ سنوات وهي في حكم امليت أو العاجز عن اإلسهام بأي حل، بل إنها حسب هؤالء هي جزء من املشكلة وليست جزء ا من الحل. آخـرون يعتقدون أن غياب إرادة الفعل ناتجة عن غياب الثقة بني أعضاء الجامعة، وربما آليات العمل العربي املشترك ضعيفة وغير موجودة، وقد تكون األسباب غير هذا وذلك أو كل ذلك. لكن ال بد أن نتذكر دائما أن هناك فرصة دائما، وهناك مجال للعمل دائما، وإن كانت هذه الفرصة وذاك املجال بحاجة دائما لقلب أب وأم أو طموح سياسي أو خبرة إداري أو عقلية رجل أعمال ملعرفة ماذا نريد وما هو الوقت املناسب لتحديد لحظة البدء ومعرفة األشخاص املناسبني للعمل عليه فال يركنوا أبدا لليائسني واملحبطني، وال يتخذوا من العوائق شماعة يعلق عليها أسبابهم املختلفة. لسنا بحاجة ملراجعة مقدمة ابـن خلدون أو ما كتبه ابـن خلدون عن العرب ملعرفة شخصيتنا وثقافتنا ومشكالتنا وعللنا، والتي حالت وتحول إلى اليوم دون بلورة هويتنا والنهوض بها وصياغة مفهوم مشترك لوحدتنا ومحاكاة حضارات العالم في بناء أمة في وطن، نحن بحاجة أن نبدأ من أقرب نقطة فيها القمة ومن أسهل مجال من مجاالت العمل العربي املشترك. لنبدأ من موريتانيا البلد التي تستضيف القمة، فتضع الجامعة خطة لتنمية هــذا البلد العظيم ويتم تأسيس شراكة من القطاع الخاص العربي والحكومة املوريتانية لتأهيل وتعليم وتدريب املوارد البشرية املوريتانية لكي تستثمر املوارد الطبيعية املوريتانية. وتعمل هذه الشركة تـحـت إشــــراف وتــوجــيــه لـجـنـة متخصصة فــي الجامعة العربية. وهكذا تتكرر التجربة كل سنة مع الدولة املضيفة للقمة العربية. هذا العمل التنموي ليس مجاال للخالفات السياسية، وال لبيروقراطية العمل الحكومي، وال مجال فيه للمساعدات االقتصادية املجانية. فقط املطلوب استبدال القرارات السياسية بقرارات اقتصادية وثقافية تنهض باإلنسان ليستثمر موارد بلده الطبيعية. بهذه الطريقة ســوف نتجاوز الكثير مـن الـخـالفـات السياسية، نتجاوز مشروعات التقسيم ومشروعات اإلرهــاب ومشروعات الطائفية، وتستغني الــدول العربية عن املساعدات األجنبية والتسليح األجنبي، بل ستضمن أنها ستربط الوطن العربي بشبكات الطرق والكهرباء واملياه وسكة الحديد واملـطـارات واملـوانـئ وستسود بني الدول العربية التكاملية االقتصادية وليس التنافسية السياسية. إذا لم تستجب جامعة الدول العربية وتتنبه للمشاريع الدولية واإلقليمية وتتحول سريعا، فـإن الجامعة ستنتهي تماما ومعها ستنتهي فكرة أن املنطقة هي منطقة عربية وهذه هي فكرة الشرق األوسط الجديد، فالسباق املحموم والذي تنفذه بعض الــدول ووكـالئـهـا فـي بعض الــدول العربية يهدف إلــى الـوصـول إلــى كيانات عرقية وطائفية ومذهبية وقبائلية لن يمكن معها وبعدها الحفاظ على الهوية والثقافة واللغة العربية. فينفرط عقد الدول العربية والجامعة العربية.