اقتراح مع بلع اللسان
نحن في حالة ارتباك إزاء أي فعل إرهابي، وسوف نظل في تأرجح ما لم نجد وسيلة لكسر التشدد الديني. هــذا الـتـشـدد تتصف بـه اآليـدلـوجـيـا املنغلقة على أفكارها التي ال تقبل الــرأي املناقض لها أو املنتقد، ومــا لـم تحدث ثورة داخلية على جوهر تلك األفكار التي يحملها املنتمون لتلك اآليدلوجيا فلن تفلح كل االنتقادات من ثني أبنائها من اإلقدام على تحقيق أهدافهم من خالل ممارسة املعتقدات بإيمان ال يشوبه أدنى شك في كون األفكار التي آمنوا بها هي منتهى اآلمال التي تؤدي باإلنسان لتحقيق الحياة املثالية والفوز بالنتائج التي تمنح للمؤمنني بتلك اآليدلوجيا. ومهما تم انتقاد التشدد الديني فلن تفتح عقول املتشددين ألنــهــم ســيــظــنــون أن أي انــتــقــاد مـــا هـــو إال ســمــوم يطلقها األعداء. إذن ما هو السبيل لفكفكة هذا التحجر؟ عادة عندما يكون منبع التشدد أحاديا فلن يحدث أي تغير في األفكار املتشددة، ما لم يتم إدخال أفكار جديدة أو رؤى توسع املدارك وتكشف أن ثمة طرقا متعددة توصل إلى الحق من غير قتل النسل وحرق الحرث. وفـــي زمـــن ســابــق كـتـبـت أن أمــامــنــا حــال نـاجـعـا يــــؤدي إلى حلحلة األفكار املتشددة بواسطة علماء مستنيرين يحملون حجتهم الدامغة حول كثير من قضايا الفقه التي أمسك بها املتشددون على أنها هي الحقيقة الدامغة.. وربــمــا طــال هــذا املـقـتـرح نــوع مــن االنـتـقـاص ألنـنـي ربطته بـفـكـرة االســتــقــدام عـنـدمـا ذكـــرت أنـنـا الـشـعـب الـوحـيـد الذي يستقدم كــل شـــيء، فـلـمـاذا ال نـقـوم بـاسـتـقـدام الـعـلـمـاء لحل مشكلتنا مع التشدد.. واآلن أعيد هذا املقترح مؤكدا أن األمة اإلسالمية تستهدف املحبة واإلخاء وانتشار القيم الحميدة لإلسالم بعيدا عن الغلظة والجفاء مع الحياة من خالل إراقة الدماء وإرهاب الناس. وأتـذكـر أننا كنا أكثر انفتاحا على سعة الفقه عندما كان بيننا شيوخ أمثال علي الطنطاوي ومحمد متولي الشعراوي ومحمد الـغـزالـي وأعـــداد كبيرة مـن العلماء الـذيـن يفندون ويوضحون سعة الفقه، وأن اإلسالم ليس دين الجبر، وإنما هو دين املحبة والتسامح وقبول اآلخر مهما كانت ديانته. وأكــاد أجــزم أن استمرار تصلب املتشددين يتمثل فـي عدم وجــود مـن ينتقدهم مباشرة ويشير إلــى األســمــاء وأخطاء املنهج املتبع، وألن أولئك املتشددين وجــدوا التغاضي عن انحرافاتهم مما زاد غيا، ووجدوا أيضا الدعوة بأن يصلح الله حالهم من غير إدانتهم وتحميلهم مغبة انحراف الشباب من خالل حضانة التشدد التي أصبحت تفرز يوميا إرهابيا سواء نفذ إرهابه أم ظل في صفوف االحتياط. لنفكر في هذا االقتراح، أما إذ لم يرق ألحد، فيكفي أنني ذكرته مرتني، وسوف أبلع لساني ولن أعيده على مسامعكم.