أنسي احلاج.. حب لم تكفه األوراق
اعتقاد الرصافة واالنعتاق من رتابة الشعر نهج دأب عليه الشاعر الراحل أنسي الحاج، فلم يكن ليؤوي قصيدة أو يتماهى مع فكرة إبداعية دون أن تلوقه فلسفة خاصة تحرره مـــن ربـــقـــة الــتــقــلــيــديــة والنسق الــكــالســيــكــي لــلــشــعــر، وإن كان قد قرع محبوه ومحرك البحث الشهير غوغل باألمس نواقيس ذكــراه في يـوم ميالده السنوي على بعد عامني من رحيله، فإنه مــا بــرح ذاكـــرة الشعر املعاصر ومــــا تــــــوارى عـــن مــشــهــد األدب الــعــربــي وبــقــي مــاثــال بنتاجه، حاضرا بما كتب وترجم وأخبر. «أنسي الحاج».. كان له الليل أبًا والقصيدة له أمًا، واختار أن يلوذ بشعره وفكره إلى داجية الليل، منكفئًا على سكينة استفاضته فرادة واستنطقته (عكاظ) إبداعًا، وائدًا مرارة اليتم في الصغر وحرقة الفقد في الكبر. لم يكن الشاعر العبقري الذي أثرى املكتبة العربية بـالـعـديـد مــن األعــمــال املـتـرجـمـة أبــرزهــا للكاتب اإلنجليزي وليم شكسبير والفرنسي البير كامو وآخــريــن، رغــم يتمه وانطوائيته وحـــــيـــــدًا، بــــل كــــــان «شـــعـــوبـــًا من الـعـشـاق» وحـنـانـًا يقطر ألجيال خلفته مازالت تتهادى قصائده وتتلبس حضوره. املقربون منه كانوا يعلقون كثيرًا على وجسه وخـــــوفـــــه، وهــــــو عـــلـــى مـــــا يبدو لـعـب دورا كـبـيـرًا فــي شخصيته األدبـــيـــة، حــتــى إن أول دواوينه جـاء معنونًا بالنفي «لــن» وأثار جــدال بنثره الشعري فـي حينها، لكنه حتما كان يعكس بعضا من تمرده وخوفه ووحــدتــه، حتى إنــه مـا فتئ يــردد ويـقـول إن كل صدمة يثيرها الشعر تنتج إنسانا جديدًا. سيرة أنسي الحاج األدبية ثرية بست مجموعات شعرية هي «لن» 1960 و «الرأس املقطوع» 1963 و «ماضي األيــام اآلتية» 1965 و «مــاذا صنعت بالذهب مــاذا فعلت بــالــوردة» ،1970 «الرسولة بـــشـــعـــرهـــا الــــطــــويــــل حـــتـــى الـــيـــنـــابـــيـــع» ،1975 «الــولــيــمــة» ،1994 ولــه كــتــاب مــقــاالت فــي ثالثة أجزاء هو «كلمات كلمات كلمات» ،1978 وكتاب في التأمل الفلسفي والوجداني هو «خواتم» في جــزئــني 1991 ،1997و ومـجـمـوعـة مــؤلــفــات لم تنشر بعد. و«خواتم» الجزء الثالث قيد اإلعداد. بقي أن نقول إن أنسي الحاج طوع نهمه الصحفي لخدمة الشعر، وكان صحفيا نشطا في جريدتي الــحــيــاة فــالــنــهــار، عــمــل مـــســـؤوال عـــن الصفحة األدبـيـة، ولـم يلبث أن استقر في «النهار» وحرر الـزوايـا غير السياسية لسنوات ثم حـول الزاوية األدبية اليومية إلى صفحة أدبية يومية. أنسي.. حب لم تكفه األوراق، وحتى وهو في كنف التراب، مازال ينادي من أعباب الشجر ومن شفاه السحاب!