Okaz

تركيا.. الدولة العميقة والنظام املوازي

- طالل صالح بنان talalbanna­n@icloud.com

تردد أخيرًا، عقب فشل االنقالب العسكري في تركيا (٥1 يوليو املاضي) مصطلح الدولة أو النظام املوازي Regime( ،كانه.)Parallel أيضًا.. وهذا غير بعيد عن التجربة التركية أيضًا، ما يطلق عليه الدولة العميقة ‪.)Deep State(‬ بصفة عامة: كال املصطلحن كثيرًا ما يتردد في التحليالت السياسية حول ما يحدث من تطورات غير تقليدية في شكل ومضمون األنظمة السياسية لبعض املجتمعات، التي حدثت بها هـزات عنيفة قـادت إلحــداث تغييرات جذرية في أنظمتها السياسية.. أو تلك التي لم تنضج بها قيم ومؤسسات التداول السلمي للسلطة، بعد. وإن كان مصطلح التنظيم املـوازي - مع الفارق - موجود في األنظمة الديمقراطي­ة، في مـا يـعـرف بحكومات الـظـل ‪،)Shadow Government­s(‬ بريطانيا، على سبيل املثال. قــد يــكــون مــن املــفــيـ­ـد لـفـهـم كــال املــصــطـ­ـلــحــن، اإلشــــار­ة إلــى مفهوم ثـالـث، أيضًا يرتبط بآلية تــداول السلطة، خاصة في املجتمعات األقل استقرارًا وعهدًا باملمارسة الديمقراطي­ة، أال وهـو مفهوم الثورة املضادة ( -Cou ‪،)ter Revolution‬ الــذي يعني: أن حــدوث تـطـورات غير تقليدية ومـا ينتج عنها من تغيير مؤقت أو انتقالي في منظومة السلطة ال تعني بالضرورة أن األمور استتبت للنخب الجديدة، بل محتمل جــدًا، أن تعود النخب القديمة التي استهدفتها الـهـزات العنيفة أو مـا يسمى الثورات للحكم، مرة ثانية. كال املصطلحن: الدولة املوازية أو التنظيم املــوازي، والدولة العميقة، يهدف إلى غاية سياسية واحـــدة: االسـتـعـد­اد الـتـام ملــلء فــراغ السلطة أو محاولة االستيالء عليها، عند أيـة فرصة مواتية، سـواء باستغالل حالة عـدم استقرار للنظام القائم نتيجة لصعوبة مـا يواجهه فـي السيطرة على زمــام األمـــور، بسبب اضـطـرابـا­ت سياسية أو اجتماعية أو أوضـاع اقتصادية صعبة.. أو عن طريق محاولة القفز بالقوة لالستيالء عنوة على السلطة، باستخدام املؤسسات العسكرية واألمنية في الدولة. وفي كل األحوال تكون الدولة العميقة أو التنظيم املوازي مرتبطن بمؤسسات مدنية أو عسكرية رسمية، لها عالقة بالسلطة وترتبط معها بعالقات سياسية متينة ومصالح مشتركة واسعة، مثل: البيروقراط­ية والقضاء والجيش والشرطة.. أو غير رسمية مثل: منظمات املجتمع املدني من أحزاب هشة، وجماعات ضغط عديمة الفاعلية، ومعارضة زاهدة أو آيسة في الحكم،.. وكذا شبكات واسعة من املصالح املعقدة بن اقتصاد الدولة وقطاع األعمال الوطني والخارجي... باإلضافة إلى قوى دولية وإقليمية لها مصالحها الخاصة في إحداث تغييرات جذرية في قيم ومؤسسات السلطة بالدولة املعنية. مثل هذه الدولة العميقة أو التنظيمات املوازية تطورت في الثقافة واملمارسة السياسية فــي تــركــيــ­ا، بـصـفـة خــاصــة، وبــعــض بــلــدان الــشــرق األوســـــ­ط.. وهــنــاك أشــكــال منهما في باكستان والعديد من الدول العربية وأفريقيا ودول أمريكا الالتينية، التي خبرت حكم العسكر لفترات طويلة... باإلضافة إلى مجتمعات في دول شرق أوروبا مثل رومانيا واملجر وأكرانيا وكازخستان، حيث تجذرت الدولة العميقة فيها لعقود، بفعل حكم األحزاب الشيوعية. لقد أصبحت تلك األنظمة التقليدية التي يحكمها العسكر، ولو من وراء حجاب، والتي خضع بعضها لنظام الحزب الواحد غير املنافس لعقود، قادرة ليس فقط على إحباط محاوالت التغيير، بأي وسيلة كانت، بل أيضًا العودة إلى الحكم لو اضطرت للخروج منه موقتًا، بفضل استثمارها الطويل في أصول الدولة العميقة، بما فيها من إمكانات لتطور أنظمة موازية، التي قد تدعم جهود العسكر للعودة للسلطة، من أجل االقتراب من حلم الوصول ملؤسسات الحكم، حتى ولو كلف ذلك، الحقًا، مواجهة مباشرة مع العسكر، التي ال مفر أن تكون حتمية، في مرحلة تاريخية الحقة، من التطور السياسي للمجتمع. بالتالي: كـال املصطلحن الـدولـة العميقة والتنظيم املـــوازي، عــادة مـا يقبع فـي ظهير الصورة الكلية للنظام السياسي القائم، في تلك املجتمعات التي لم تتطور فيها بعد ممارسة ديمقراطية مستقرة، على أهبة االستعداد لالنقضاض على السلطة أو استعداداته­ا، فـي لحظة حاسمة مـن الــصــراع العنيف عليها، إمــا بآلية الثورة املضادة.. أو عن طريق استعادة زمام األمور، من قبل رموز ومؤسسات نظام الحكم القائم، بخطط و«تكتيكات» ملواجهة أي محاولة عنيفة، وغير دستورية لالستيالء على السلطة. ما حدث في ليلة االنقالب األخير الفاشل في تركيا، ال يعدو كونه نموذجا «كالسيكيا» لصراع سياسي عنيف حاسم بن حكومة منتخبة قائمة، وتنظيم مواز، حاول االستيالء على السلطة باستخدام جـزء مـن املؤسسة العسكرية واألمـنـيـ­ة، فـي مـا قــدر أنها لحظة تاريخية مناسبة لجني عائد استثمار سياسي واجتماعي -طويل ومكلف- في مؤسسات الدولة العميقة، لالستيالء على السلطة، ومن ثم تطبيق سياساته ورؤاه واإلتيان برموزه لحكم البالد. في املقابل: لم تكن طموحات وتخطيطات ومؤامرات التنظيم املوازي بعيدة عن أعن وآذان مؤسسات الحكم تلك الليلة. كما كــان التنظيم املـــوازي يهدف مـن االنـقـالب العسكري، وضــع نهاية عنيفة لصراعه السياسي مع النظام الديمقراطي القائم في أنقرة تلك الليلة، كانت مؤسسات ورموز الحكم القائم نفسها، في انتظار مثل هذا النزال العنيف مع التنظيم املـوازي للتخلص منه، مــرة واحــدة ولــأبــد... وهــذا مـا تمثل فـي االنقضاض العنيف على رمــوز االنقالب العسكري الفاشل مع حاضنته السياسية واالجتماعي­ة واملالية، التي تمثلها مؤسسات ورموز التنظيم املوازي، بزعامة الداعية عبدالفتاح غولن. باختصار: ال يعني أن تقوم ثورة أو انتفاضة شعبية، وال حتى إقامة نظام ديمقراطي جاء إلى السلطة بإرادة الناس وخياراتهم أن الطريق أضحى ممهدًا لرموز النظام الجديد أو القائم لالستمرار في الحكم. يبدو األكثر احتماال: أن كل ثورة تلد ثورة مضادة تخرج من رحم الدولة العميقة.. وكذلك كل نظام حكم قائم، بغض النظر عن مصدر شرعيته، هناك تنظيم مواز، يطمع في الحكم أو يطمح للوصول إليه، بكافة الوسائل غير املشروعة، إذا ما أعيته الوسائل املشروعة، خاصة في املجتمعات التي لم تتطور لديها، بعد، مؤسسات وقيم ممارسة ديمقراطية ناضجة ومتينة، مثل: تركيا. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 االتصاالت أو 636250

موبايلي أو 738303 زين تبدأ بالرمز 154 مسافة ثم الرسالة

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia