Okaz

«انبكم وابتسم» وإال ستصبح شريرًا

- أحالم محمد عالقي altawati@gmail.com

ماذا حدث للناس؟ أال تالحظون أصدقائي بأن الكثير من أفراد املجتمع بكافة واختالف طبقاتهم ومرجعياتهم ومفاهيمهم أصبحوا أشخاصًا أنانيني بطريقة لم نعهدها من قبل؟ فأصبح ال أحد يقبل أن يغلط عليه أحد وال أن يقصر في حقوقه أحد أو يزعله أي شخص ألي سبب، ولكنهم مستعدون هم للغلط والتقصير وكسر خواطر اآلخرين وإهانتهم، بل وال يقبلون بعدها أن توجه إليهم كلمة أو مالحظة وإن فعلت ذلك فسوف توصف بأبشع األلفاظ ويحرق دمك أنت! انقلبت اآلية وأصبح املظلوم يخاف من الظالم واملخطئ عليه أضعف طلبًا للحق من املخطئ! وفجأة يصبح كل الناس لها حقوق ولها ألسن، إال املحترم وذا الضمير الذي يعرف الـذي له والـذي عليه. فهذا النوع يجد نفسه دائما في مـأزق، إما أن يبلع املوس ويسكت ويرضى بالظلم، أو أن يتكلم أو يعترض وحاملا يفعل ذلـك يصنف كشرير ويغضب الكل منه ويخسر اللعبة بأكملها. فاإلنسان املحترم اآلن أصدقائي أصبح خاسرًا في كل األحوال، سكت أم تحدث، وبما أنه خسران خسران فالكثير يفضلون الخسارة في صمت، فالصمت من ذهب! وأصبح اإلنسان املعاصر املسكني مو عارف يالقيها من فني وال فني، أو من مني وال مني. ففي املجتمع تجد الـنـاس مستعدين لـرمـي الكلمات الثقيلة والتدخل السافر في شـؤون اآلخرين ونعتهم بما يحزنهم، ولكن إن تجرأت أنت ورددتها لهم وإن قلت كلمة حق فستصبح شريرًا. «يتدين» منك إنسان ماال فتقرضه ثم حينما تحتاجه تدرب حضرتك على ماراثون الركض وراء ه لنيل حقك، وجود لك ‪!Good luck‬ أو باألحرى «هارد لك» يا مسكني! ولو تكلمت، أو تظلمت فيا ويلك، فستصبح أنت بال شرف وال أصل وال تعرف معنى الصداقة أو القرابة أو «الفزعة»! فتبلع املوس وتسكت، وأنت كظيم! وفــي املــدرســ­ة مثال يــرى األهــالــ­ي بعض املعلمني يظلمون أطفالهم وال يقومون باملهمة املطلوبة منهم ولكن لو فتح اإلنسان فمه بكلمة واحدة واشتكى النقلبت عليه املــوازيـ­ـن وأصـبـح املعلم يستقصد ابنه واملدير يكره رؤيته واإلداريــ­ون يصنفونه «بتاع مشاكل»! أي نظام ابلع املوس واسكت! نذهب إلى أي متجر فنجد من يقطع عليك الطابور ويتمركز في مكانك بـثـبـات ويـنـظـر لــك مـتـحـديـًا ومـنـتـظـرًا أن تـتـفـوه بكلمة ولــديــك حــل أن تبلع املـوس وتسكت، أو أن تتكلم. ولكن إن تكلمت فيا ويلك! فستنهال عليك األلفاظ املزعجة وستنالك الفضيحة العلنية ويحرق دمك ويهدر برستيجك وتتنكد النكد األعظم فتختار أحيانا أن تصمت، فالصمت من ذهب! تذهب إلنهاء معاملة فتجد املوظف شبه نائم يمد يده إليك بتأفف لينظر إلى أوراقك، باحثا عن غلطة يوقفك بسببها، وتبلع املوس، وتسكت، ألنك لو تجرأت وتفوهت بكلمة فسوف يطنشك ببرود واحلم يا بطل لو مشت معاملتك، وليس من الغريب أن «يوصي» عليك زمالءه وربعه ليعطوك درسا ال نهائيا في الصبر وقوة التحمل وطول النفس بتعقيد معاملتك وتطفيشك. فماذا تختار، الصمت من ذهب! وحتى على مستوى من يعمل لديك في املنزل، فتجد نفسك تقول لهم بكل لطف ورحابة صدر، الرجاء يا ماري وبليز وثانك يو ولو سمحت ال تتركي حجرة الصالون متسخة بعد الضيوف اليوم. فتجيبك تنظيف الصالون يــوم الـخـمـيـس مــــدام! أي انـبـكـمـي أيـتـهـا الـحـمـقـا­ء وانــتــظـ­ـري وعاصري الكراكيب الناتجة عن عزومة الخميس هذا إلى أن يأتي الخميس املقبل وال تتفوهي بكلمة واحدة وأنت ترين العاملة تضع املانيكير والبيدكير وتتصفح النت، فهذا وقت مزاج معاليها، وأما تنظيف الصالون فحتما يجب أن ينتظر ليوم الخميس، اليوم املجدول لهذه املهمة. مـاذا وإال - وبلحظة واحـــدة تتهاوى أمامنا الـذكـريـا­ت: مكاتب االسـتـقـد­ام، شروط وزارة الـعـمـل والتنمية االجـتـمـا­عـيـة، مانشيتات الـصـحـف عــن طلبات البلدان املعنية باالستقدام، ونبتسم ملاري بل ونركض لنحضر لها طبق الجاتوه وكوب الشاي ونبلع املوس ونسكت، فالسكوت من ذهب!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia