الرشود.. االسم األشهر في احلركة املسرحية الكويتية
لم تعرف الحركة الفنية واملسرحية في دولـة الكويت، بــل أيــضــا فــي منطقة الـخـلـيـج، فـنـانـا ومـؤلـفـا وأديبا ومخرجا مسرحيا مثله لجهة تعدد مواهبه، وعشقه لعمله وتفانيه فيه، وحـرصـه على اكتشاف أصحاب املواهب الفنية ودعمهم واألخذ بيدهم، ورقي تعامله مــع زمــائــه. فقد حفر املــبــدع الكويتي املــعــروف صقر الـرشـود اسمه في سجل الخالدين كأحد رواد املسرح الـــذي يعتبر (أبـــو الـفـنـون) وأولــهــا منذ زمــن اإلغريق والرومان. كما أنه يعتبر الجنس األدبي األحدث نسبيا مقارنة بالشعر في املجتمعات العربية. لم يكن (صقر سلمان صقر سلمان الـرشـود الفضلي) مــجــرد اســـم ضــمــن األســـمـــاء الــكــويــتــيــة الــكــثــيــرة التي عشقت التمثيل والتأليف املسرحي منذ ستينات القرن العشرين؛ أي حينما حصلت الكويت على استقالها وبــــــــدأت الـــــدولـــــة بــتــنــظــيــم إداراتــــــهــــــا وتـــقـــديـــم الدعم والـتـشـجـيـع ألبـنـائـهـا املــبــدعــن، وإنــمــا كـــان شخصية مثقفة ذات تجربة فـريـدة فـي التنقل مـن مـكـان آلخر، وبــالــتــالــي االخـــتـــاط بـمـجـتـمـعـات وبــيــئــات وثقافات مختلفة داخل منطقة الخليج وخارجها. ولــــد صــقــر فـــي 11 يــونــيــو 1941 فـــي مــنــطــقــة شرق بالكويت ابنا ألسـرة من الرشود الفضول التي قدمت مـن الشمال فـي منتصف الـقـرن التاسع عشر وسكنت فــريــج الــزهــامــيــل وتـــصـــاهـــرت مـــع الــعــديــد مـــن األسر الكويتية املعروفة مثل الغنيم والروضان والدرباس، علما بأن هذه األسرة تنحدر من الزهاميل من آل غزي من بني الم. نقول هذا تمييزا ألسرته عن أسرة عريقة أخرى سكنت فريج العوازم في الحي الداخلي بمنطقة الـوسـط مـن مدينة الـكـويـت وتحمل االســم نفسه، لكن أصولها «ترجع إلى فخذ البريكات من بطن القوعة من قبيلة الـعـوازم الهوزانية» طبقا ملوقع تاريخ الكويت اإللكتروني. ولــئــن كـــان صـقـر الــرشــود قــد ولـــد عـلـى أرض الكويت في زمـن كانت فيه بــاده في طريقها من االنتقال من اقتصاد الصيد على اللؤلؤ إلــى اقتصاد النفط، فإن األقـــدار أجبرته على الترحال والتنقل مـع عائلته من بلد إلى بلد. حيث غادر الكويت وهو طفل إلى البحرين التي كانت -آنــذاك- مقصد كل أبناء الخليج الباحثن عن العلم والرزق والحياة االجتماعية املنفتحة. لــكــن يـــبـــدو أن والــــــده لـــم يـــوفـــق فـــي الــبــحــريــن لجهة طموحاته التجارية، فشد رحاله مع عائلته إلى الهند الــبــريــطــانــيــة، مـثـلـمـا كـــان يـفـعـل مـعـظـم أبــنــاء الرعيل الــخــلــيــجــي األول. وهـــنـــاك تــنــقــل مـــا بـــن «بومباي» وكراتشي ومـدن هندية أخـرى إلـى أن قـرر العودة إلى شبه الجزيرة العربية حينما بــدأت القاقل واملشاكل والفنت تطل برأسها في الهند نتيجة لقرار تقسيم شبه القارة الهندية إلى كيانن. غير أن عودة والده وأسرته لــم تـكـن إلــى الـكـويـت وإنــمــا إلــى املـديـنـة املــنــورة، التي عـاش فيها صقر من عـام 1950 إلـى عـام ،1956 ونال فيها شهادة الدراسة االبتدائية. ويعتبر عام 1956 من األعوام املفصلية في حياة صقر، ففيه أعرب لوالده عن رغبته في مغادرة املدينة املنورة والعودة إلى الكويت، غـيـر أن والـــده رفــض الـتـجـاوب مـعـه، فـمـا كــان مـنـه إال العودة إلى مسقط رأسه بمفرده. وبـــمـــجـــرد عـــودتـــه إلــــى الـــكـــويـــت، حـــامـــا فـــي جعبته شهادة االبتدائية السعودية التحق بكلية الصناعة، لكنه لــم يـجـد نفسه فيها فتركها من أجـــل مــواصــلــة دراســتــه فــي املرحلتن اإلعــــداديــــة والـــثـــانـــويـــة. وهـــكـــذا أنهى صــقــر املــرحــلــة اإلعـــداديـــة فــي الكويت فــي عــام ،1967 ليقرر فــي أعــقــاب ذلك السفر إلــى البحرين ساعيا وراء نيل شــهــادة املـرحـلـة الـثـانـويـة الـتـي حصل عليها بالفعل في عام .1969 وما بن هذا وذاك عمل صقر لبعض الوقت في وزارة اإلعام مذيعا في إذاعة الكويت بسبب فصاحته وإتقانه للغة العربية الفصحى، كما عمل في وزارة التربية والتعليم مـشـرفـا عـامـا عـلـى األنشطة املدرسية. وخال هذه الفترة تزوج وأنجب ابنه البكر نضال الذي توفي في عام ،1969 وكانت لوفاته صدمة كبيرة عليه، ولـــم يـكـد يــفــوق مــن هـــذه الــصــدمــة إال وجــاءتــه صدمة أخــرى مماثلة بـوفـاة ابنه اآلخــر فــراس فـي عــام .1975 لكن ما يجدر بنا ذكره أن الرجل كان منذ سنوات شبابه األولــى مغرما بالفنون املسرحية، ودليل ذلـك أنـه عمل في عـام 1958 مع «فرقة املسرح الشعبي» التي تعتبر أول كيان مسرحي مستقل عن مسارح املدارس واألندية فــي الــكــويــت، وألـــف وأخـــرج ومـثـل عددا مـــن املــســرحــيــات لــهــذه الــفــرقــة كــــان من بينها مسرحية «تقاليد» في عام 1960 من إخــراج الفنان محمد النشمي، علما بأن صقر هو الـذي كتبها، لتخلد كأول مسرحية كويتية مكتوبة من بعد سنوات من املسرح اإلرتجالي غير املكتوب. إلـى ما سبق، قـام صقر في مايو 1963 مع مجموعة من املسرحين الكويتين مـــن أمـــثـــال مــنــصــور املــنــصــور ومحمد الــســريــع وخــالــد الـعـبـيـد وعبدالرحمن الــعــقــل ومــحــبــوب الــعــبــدالــلــه وعبدالله خلف وغيرهم بتأسيس فرقة مسرحية تــــحــــت اســــــــم «فــــــرقــــــة مـــــســـــرح الخليج العربي»، وقدم معها أول عمل مسرحي من إخراجه في عــام ،1961 وذلــك مـن بعد انفصاله عـن «فـرقـة املسرح الشعبي» بسبب جنوح األخيرة إلى تقديم أعمال هدفها الترفيه والتسلية فقط، ناهيك عن عدم التزام ممثليها بـالـنـصـوص املـكـتـوبـة بسبب تـعـودهـم عـلـى اإلرتجال. إذ عــــرف عــن «فــرقــة مــســرح الـخـلـيـج الــعــربــي» الجدية واالرتقاء بالذوق الفني للجمهور، بعكس «فرقة املسرح الشعبي»، ولذا أطلق على األولى «فرقة املعقدين» تندرا بسبب إيـــاء أصـحـابـهـا اهـتـمـامـا كـبـيـرا بـالـثـقـافـة. هذا علما بــأن الــرشــود قــدم لفرقته الـجـديـدة 23 مسرحية، كانت لكل واحدة نكهة خاصة وأضافت ملسيرته الفنية ولـتـاريـخ الـفـن املسرحي فـي الكويت والخليج العربي بصمة مميزة. على الرغم من هذا العشق الكبير للمسرح واالنخراط فيه، تأليفا وإخراجا وتمثيا، فإن صقر الرشود، لسبب ما، قرر مواصلة دراسته الجامعية في تخصص العلوم السياسية ولـيـس فــي الـعـلـوم املـسـرحـيـة، حيث التحق لهذا الغرض بجامعة الكويت وتخرج فيها عام 1974 بتقدير جيد جدا. وخال دراسته الجامعية لم ينقطع عن املسرح وهمومه بدليل أنه كان جاهزا بمجرد إنهاء دراسته الجامعية لانخراط مجددا في عمل مسرحي مميز قــاده للفوز بـجـائـزة أفـضـل مـخـرج فـي مهرجان دمشق املسرحي سنة 1975 عن مسرحية «علي جناح التبريزي وتابعه قفة». وهــذه املسرحية كتبها املبدع املـــصـــري «ألـــفـــريـــد فــــــرج»، وتـــنـــاولـــت شــخــصــيــتــن من شخصيات ألف ليلة وليلة، وعرضت للمرة األولى في عــام 1969 مـن على خشبة املـسـرح الـقـومـي بالقاهرة، وأخرجها سعد أردش، وأدى أدوارها كل من عبداملنعم إبـراهـيـم وأبـوبـكـر عــزت ومـجـدي وهبة وفيفي يوسف وغــيــرهــم. لــكــن الـــرشـــود أعــــاد إخــراجــهــا و«تكويتها» وإسقاط أفكارها على الواقع املعاش، وأسند أدوارها إلى كبار نجوم املسرح الكويتي آنــذاك من أمثال غانم الـصـالـح ومحمد املـنـصـور وسـعـاد عبدالله وإبراهيم الـصـال ومـريـم الـغـضـبـان، وتــم عرضها بالكويت في عام ،1975 ليدشن بها الرشود منعطفا مفصليا آخر في مسيرته الفنية. فعلى الرغم من أن مسرحية «علي جناح التبريزي» هي من املسرحيات املؤادة باللغة العربية الفصحى التي لم يكن الجمهور الكويتي يطرب لها كثيرا، إال أن الرشود جعلها مستساغة ومطلوبة بفعل ملساته وإضافاته الجمالية الخاصة التي اشتملت على تحويل الفصحى املعقدة إلى لغة سهلة رقيقة مطعمة باملفردات والجمل واألمثلة الشعبية الدارجة، إضافة إلى إدخال فن الصوت والـرقـصـات واألغــانــي الكويتية املـعـروفـة عليها. ومن هنا قال البعض إن الرشود «أفضل من قدم املسرحيات باللغة العربية الفصحى في إطار ناجح يثير الدهشة ويجذب املشاهدين ويحقق املعادلة الصعبة».