فجأًة.. عدنا إلينا

سبحان مغير األحوال. فجأة وبسرعة عجيبة تحولنا من ذلك الشعب الهمجي الذي تنقصه الفضيلة، واملــحــكــوم بـالـغـرائـز الـشـهـوانـيـة البهيمية الـتـي تحتاج بالضرورة إلى حراس وعيون وجنود وعصي، الشعب الذي لو ترك يمارس حياته لوحده ستعم الرذيلة ويتفشى الخراب، فجأة تحولنا بــدون تلك الهواجس وأهلها إلـى بشر طبيعيني نمشي ونـأكـل في املطاعم ونرتاد األسواق واملتنزهات ونمشي على الشواطئ ونتحدث مع بعضنا البعض في األماكن العامة دون أن يعتدي أحد على أحد، أو يفترس ذكــر أنثى أمــام املــأ، أو تتحول تلك األمـاكـن إلـى غابات وأدغـــال تسكنها كائنات ال تعرف األخــاق والـحـيـاء والقيم واملثل اإلنسانية. وفـجـأة تحول الجفاف الـوجـدانـي وشـحـوب الـوقـت وتـرهـل املشاعر إلى انتعاش واخضرار وتفاؤل وإحساس وردي بالحياة، فقد عادت األنغام تصدح في مسارحنا ومراكزنا الثقافية، بعد زمن طويل من الحجر على «املــعــازف» التي أكـد الغاة أنها ستجعل املسلم رخوًا مـنـصـرفـًا عــن ديــنــه إلـــى الــلــهــو واملـــجـــون. عــــادت األنـــغـــام ومـــن شاء سماعها فعل ومن لم يشأ لم يفعل، وبعودتها ما زالت املساجد مأى والناس تعبد الله وتتقيه، ولم نشاهد فجورًا وال فسوقًا. وفجأة أيضا، تبدو هذه األيام التي يتمتع فيها الكثير بعطلة قصيرة مختلفة عـن مثياتها فـي األعـــوام، طبيعة النشاطات والفعاليات يبدو أنها تتغير بسرعة من الرتابة والتكرار لأشياء العادية اململة التي كان يراقبها الفكر الوصي ويؤطرها بمفاهيمه، تتغير وتحاول االقتراب من طبيعة النشاطات الترفيهية التي يمارسها كل البشر وكل أوالد وبنات آدم وحـواء على األرض بفطرتهم الطبيعية التي خلقها الله في أرواحهم. بدأنا نرى إقباال مختلفا على أشياء جديدة نحتاج إلى مزيد منها وتنويع فيها وإضافات عليها تعوض الناس عن الحرمان الطويل الذي عاشوه قسرًا. وحتمًا ستتوالى املفاجآت الجميلة مع الوقت ألننا نعيش مرحلة يمكن تسميتها بعودة الوعي والتصالح مع الطبيعة اإلنسانية التي طمسناها والفطرة البشرية التي حاولنا تبديلها. فجأة عدنا إلى طبيعتنا، إلى شيء من ماضينا الذي كنا عليه. كانت املجتمعات تطور ماضيها وتضيف جماليات جديدة عليه، ونحن ننتزع كل جميل من ماضينا حتى أصابنا ما أصابنا من تشوهات نفسية وعلل اجتماعية وتشظيات روحية، واآلن يمكننا القول إننا عدنا إلينا، فا تسمحوا أن يتم انتزاعنا منا مرة أخرى.