األعمال اإلغاثية واإلنسانية بني الواقع واملأُمول !
إن املتغيرات املتاحقة في عاملنا اليوم أصبحت تسير بشكل متسارع جدًا، لنصل في النهاية إلى حقيقة أن العالم تغير فعا عن السابق، والواقع يفرض علينا استيعاب تلك املـتـغـيـرات والـتـفـاعـل معها والتناغم مع ما يستجد منها في قادم األيام، وأردت من خال هــذه املـقـدمـة أن أقـــول إنــه مــن ضـمـن هــذه املتغيرات أصبحت الشعوب واملجتمعات في جميع دول العالم تنبذ فكرة العنف بجميع أشكاله وصــوره (حروب، صراعات، تطرف) سواء العنف الفردي أو الجماعي، وهو أمر مرفوض قطعيًا من جميع منظمات الحقوق املدنية واملجتمعية واملنظمات اإلنسانية والفعاليات الــدولــيــة، والــتــي غـــدت تـعـكـس رأي جـمـيـع الشعوب تــجــاه تــلــك الــقــضــيــة، وتــقــف دائـــمـــا بــاملــرصــاد أمام الجهات التي تتكسب من إشعال الحروب واألزمات فـــي مـخـتـلـف أنـــحـــاء الــعــالــم، والـــتـــي عــــادت باملآسي والـــــويـــــات عــلــى تــلــك املــجــتــمــعــات، ونـــتـــج عـــن ذلك التهجير القسري والــهــروب والـلـجـوء وافـتـقـاد أدنى مقومات الحياة الكريمة (قضيتا اليمن وسورية أكبر مثال)، وهذا األمر يسبب تداعيات خطيرة على السلم واألمن السياسي واالجتماعي واالقتصادي الدولي، وله أضرار كبيرة مستقبا، وكذلك تهدف إلى تقديم يــد الــعــون إلــى املجتمعات الـفـقـيـرة والــتــي تعرضت إلـى كــوارث طبيعية أو مصطنعة، أي أنـهـا تنظر إلــى غصن الزيتون وتــــرفــــض الـــنـــظـــر إلــــــى الــــيــــد التي تحمل البندقية إال في حالة الدفاع عــن الــنــفــس وفـــي أضــيــق الحدود، والـــجـــمـــيـــع يـــتـــفـــق أنــــــه يـــحـــق لكل إنسان في هذا الكون أن يعيش في ظروف مائمة تليق بحياة البشر. وبناء على ما ذكر فإن اململكة العربية السعودية حكومة وشعبًا لـم تـتـوان أبــدا فـي تقديم املساعدات اإلغاثية واإلنسانية لجميع الدول العربية واإلســامــيــة والـصـديـقـة املـحـتـاجـة لتلك املساعدات. وتـعـتـبـر املـمـلـكـة مــن أكــبــر الــــدول املــانــحــة لإلعانات اإلنسانية، وأخــذت على عاتقها هـذه املهمة، بإنشاء وتشجيع إقامة (منظمات، مراكز، مؤسسات، حمات) تعنى بـذلـك، وفـي ظـل وجــود عــراب العمل اإلنساني فــي املـمـلـكـة خـــادم الــحــرمــني الـشـريـفـني املــلــك سلمان بـن عبدالعزيز منذ كــان أمـيـر منطقة الــريــاض وهو صاحب الخبرة والتجربة في هذا املجال، والذي أمر في عهده امليمون بإنشاء مركز امللك سلمان لإلغاثة واألعمال االنسانية، وكانت خطوة مهمة جدًا تدعم هذا املسار، وألننا في ظل ظروف ومتغيرات إقليمية ودولـــــــيـــــــة حــــســــاســــة وخصوصا املحيطة بنا، أرى أنه وجب علينا تقييم تجربتنا فـي هـذا املضمار، واســتــخــاص الـــــدروس املستفادة مــــن تـــلـــك الـــتـــجـــربـــة، مــــع تقديري الـــــكـــــامـــــل لـــلـــجـــهـــات الـــــتـــــي بذلت جــهــودًا كـبـيـرة ومـخـلـصـة فــي هذا املجال سابقًا، وكذلك يجب علينا تـصـحـيـح املــســار وتــصــويــب العاقة مع املنظمات الدولية املعنية بالعمل اإلنساني، والتي لألسف البعض منها تسيء لصورة اململكة ألغراض مشبوهة، وعلينا أن نعي أن مفهوم اإلغاثة والعمل اإلنـسـانـي ليس فقط محصورا فـي تقديم الــغــذاء أو الكساء أو الـــدواء لـألفـراد والجماعات املتضررة من الــصــراعــات والــحــروب والــكــوارث الطبيعية، بــل هو مفهوم أشمل وأعمق من ذلــك، وإن األعـمـال اإلغاثية واإلنسانية عملية متكاملة تهدف إلـى إعــادة إعمار تلك املجتمعات املتضررة بكل مكوناتها، واستدامة التنمية فيها، وعلى ذلك ينبغي علينا اإلمساك بزمام املــبــادرة فــي ذلـــك، والــتــحــرك فــي جميع االتجاهات، وخصوصا العمل على األرض للوصول إلى الشعوب الشقيقة والـصـديـقـة املـحـتـاجـة فــي قــراهــم ومدنهم؛ ألن الــعــمــل اإلنـــســـانـــي يــلــزمــه الـــتـــحـــرك عــلــى أرض الـواقـع، ما يتيح لنا إقامة عاقات حقيقية مع تلك الشعوب تعود علينا بفوائد إستراتيجية ووطنية عــديــدة، وكــذلــك يـجـب علينا تـقـويـم الـعـمـل اإلغاثي واإلنـسـانـي بـني فترة وأخــرى وتصويب مـا يتطلب ذلك، ونرتكز في هذا على وضع إستراتيجية للعمل اإلنــســانــي يـنـتـج عـنـهـا ســيــاســات وخــطــط واضحة لـهـا رؤيـــة وأهــــداف يـتـم تحقيقها، وال يتسنى ذلك إال بتنفيذ تــلــك اإلســتــراتــيــجــيــة ويــكــون التخطيط مركزيا للعمل اإلغاثي ويتم تنفيذ تلك الخطط بدقة وعناية ومتابعة مستمرة لهذا التنفيذ، وأعتقد أن مركز امللك سلمان قـد خطا خـطـوات كبيرة فـي هذا الشأن، والذي تولى قيادته الدكتور عبدالله الربيعة، وهــو لــه سمعة طيبة ورؤيـــة واضــحــة تـجـاه العمل اإلنــســانــي، وعــنــدهــا تتحقق أهــدافــنــا، ومـــن أهمها وصــــول رســالــتــنــا بـــوضـــوح لـجـمـيـع دول وشعوب العالم، وهي أن اململكة العربية السعودية دولة سام ووئام منطلقة في ذلك من الدين اإلسامي الحنيف دين املحبة والسام.