قصص من أروقة احملاكم

تختزن ذاكرتي كثيرا من القضايا التي عايشتها أثناء علمي فــي الـقـضـاء ســنــوات عـــدة، منها املــحــزن واملــؤلــم وأخـــرى تبث الخوف والعظة والعبرة، وقليل منها طريف، أتذكرها بعد أن ترجلت من مجال القضاء. وال أنسى قصة «الـرجـل املظلوم»، تلك القضية حكم فيها الـلـه سبحانه وتـعـالـى، وصــرت فيها أنـا الشاهد، بعد أن كنت فيها القاضي والحكم نهائي صدر من املولى عز وجل مع النفاذ املعجل، وهي أن شخصا ادعى على آخـر بأنه كتب فيه قصيدة هجاء مهلكة، وأنكر الشاعر املدعى عليه، ولم يكن مع املدعي بينة، فدعا الله على خصمه قائا: «إن كنت أنت من كتب ما كتب فأسأل الله أن ينتقم منك وينصرني عليك عـاجـا غير آجـــل»، ورد خصمه بـــ«آمــني».. بعد أيــام دخل املدعي بقصاصة صحيفه مفادها أن خصمه الشاعر تمزق في حادث شنيع، يــقــول سـبـحـانـه وتــعــالــى فــي الــحــديــث الــقــدســي عــن دعـــوة املــظــلــوم «وعزتي وجـالـي ألنـصـرنـك ولــو بعد حــني». يـا الـلـه كـم ظلمنا مـن الـعـبـاد بألسنتنا بغيبة أو بكلمات سيئة. كما أني حزنت على متهم استدعيته من السجن لاستماع إلى جوابه في تهمة مخدرات، وأجلت الحكم لجلسة أخرى لم يحضر فيها املتهم ولم يحكم عليه في تلك القضية، وأقفل ملف القضيه لألبد ألن املتهم توفي فجأة في السجن من أثر املخدرات وأحيل كامل ملف القضية إلى محكمة العدل اإللهية. ودمـعـت عيناي لشكوى عجوز مريضة تـرتـدي عـبـاءة بالية ممزقة، تشتكي ابنها الذي أسكنها في «صندقة» حديد بجانب منزله مع زوجته، وذكرت أنها ال تحتمل برد الشتاء وال قيظ الصيف، وطلبت أن يبني لها غرفة من الطوب مع مكيف أو يسكنها معه في بيته ولو تحت الـدرج، بكى االبن بشدة بعد نصحه، وأقر بأن زوجته كانت تحرضه على عقوق والدته. أضحكتني قضية خصمني مسنني أتـيـا إلــى املحكمة في سيارة أحدهما، وكــان موضوع الـدعـوى أنهما اشتركا في شـــراء شــاة واقـتـسـمـاهـا بـالـنـصـف، وتــولــى أحـدهـمـا الشراء والـذبـح وقسمتها، فادعى اآلخــر أن خصمه غشه، ولـم يعطه الكبد، ويطلب الحكم لـه على خصمه بإعطائه نصف الكبد نصيبه مـن حاال. تتكرر املشاهد وتتميز في قوتها ووقعها على قلوب القضاة، وقد يورث ذلك تبلد اإلحساس لتكرار املشهد فا تعجب إن رأيـت قاضيا ال تدمع عينه من املآسي وقد يذرف دموعا على مشاهد أو قضية مؤثرة وأنت ال تعلم.