Okaz

رحل وبقيت قيمه النبيلة

- أ.د. صالح بن سبعان

رحل بجسده، تغمده الله بواسع رحمته، مثلما يرحل كل حي في هذه الدنيا، ألن البقاء والخلود لله وحده سبحانه وتعالى، ولكنه سيظل حيًا وباقيًا فيها ما بقيت القيم النبيلة واألخاق الـرفـيـعـ­ة. لـم يكن والـــدي فـقـط، رغــم أن الـلـه تـكـرم علينا بهذا الشرف، ولكنه كان قدوتنا ورائدنا، وكان املدرسة التي نهلنا من رحابها الوارفة الحكمة والعدل وصابة املواقف في الحق، كان معلمًا من طراز فريد، وهبه الله الهيبة ولكنه يأخذ الناس باللني والحسنى. فـي أسلوبه التربوي لـم يكن يوجه أبناءه وحتى املقربني منه بالنصح املباشر والـقـول الـجـارح، وإنما يستخدم األمثال واملجاز والحكمة في التوجيه، وعلى ذات النهج النبوي في التربية بالقدوة واملوعظة الحسنة كان يترك لآلخرين حقهم من الحرية ليربوا في أنفسهم القيم والسلوكيات املحمودة وال يأخذهم بالشدة. كـــان عــزيــز الـنـفـس عـلـى كــــرم، فــرغــم قــربــه مــن والة األمــــر، وإخــاصــه لهم ومحبتهم فيه، لم يطلب فوق ما يستحق، ولكنه يسعى إليهم حثيثًا لقضاء حوائج اآلخرين، وهم، كما اعتاد، ال يردون له طلبًا. كنت أعجب وهو حي بيننا وأســأل نفسي: مـن أيــن يستمد كـل هــذا الـشـمـوخ؟ وكيف استطاع أن يجمع كل هذه الصفات في شخصه؟ اآلن وقد عركتني الحياة أستطيع أن أفهم أنه نجح في ذلك ألنه كان يتقي الله في سره وفي علنه، وكانت املسافة بني قلبه ولسانه أقرب ما تكون، لم يداهن، ولم يضطر ألن يخاف الناس. ولذا كان يفعل الخير وال ينتظر ثناء من أحد، ولم نكن نعرف مــا يــقــدم لــلــنــا­س إال مــنــهــم، فــي حــيــاتــ­ه وبــعــد مــمــاتــ­ه، ألنـــه ال يريد وال يحب أن يعرف الناس، كانت عيناه على الله ال على مخلوقاته جل وعا. لذا كان حني يخبرنا الناس بما فعل من أجلهم ال نسأله وال نجعله يشعر بأننا على علم، ألننا كنا نعرف أن ذلك يسوءه ويعكره، رغم أنه لم يكن يتعامل معنا بردة الفعل الحادة. لقد غرس فينا بأن قيمة اإلنسان ليست في ما يملك من مال أو ملبس أو سيارة، وإنما قيمة االنسان في ذاته وفي عمله، وأذكر أنــه كــان يذهب بنا إلــى املـدرسـة ونحن صغار على سـيـارة وانـيـت، وألننا أطفال نريد أن نباهي أقراننا بالسيارة الصالون التي يمتلكها كنا نرجوه أن يأخذنا للمدرسة عليها، ولكنه كان يردد على مسامعنا مقولته تلك التي صـارت منذ ذلك الوقت شعارًا نستهدي به في حياتنا ونحاول غرسه في وجدان أبنائنا وأحفادنا مبدأ سلوكيًا. أال رحم الله والدي ومعلمي وقدوتي الشيخ عبدالرحمن بن صالح بن سبعان وتقبل روحه قبوال حسنًا وأسكنه فسيح جناته بني الشهداء والصديقني وحسن أولئك رفيقًا. إنه غفور رحيم، وإنه سميع مجيب.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia