Okaz

ملاذا لم تنجح حركات اإلصالح الديني

- يحيى األمير

أواخـر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كانت هي الفترة التي شهدت أبــرز حـركـات اإلصــالح والتجديد الديني، وفــي الغالب فــإن كـل حـركـات اإلصالح ودعوات التنوير انطلقت من كونها إصالحا وتجديدا دينيا مما يعكس محورية الدين في الحياة والثقافة والعقلية العربية، وبالتالي يمكن القول إن كل تلك الحركات انطلقت لتجيب على سؤال واحد هو: كيف يمكن بناء نهضة ومدنية دون أن يمثل ذلك تخليا عن الدين أو عن بعض تعاليمه؟ وفي محاوالت اإلجابة على هذا السؤال انقسمت تلك الحركات إلى أكثر من مستوى: األول الـذي يرى أن الحل يكمن في العودة إلى الدين في أصوله األولـى ووفق الفهم السلفي الــذي كـانـت عليه املرحلة املبكرة إبــان الدعوة املحمدية، ومستوى آخـر يـرى أن الحل يكمن في إعــادة قراءة الدين والفصل بن ما هو ظرفي تاريخي وبـن ما هو ثابت ومستمر. كانت معضلة كل تلك الحركات تكمن في التعامل مع التراث الـديـنـي املـــدون الـــذي انـطـلـق فــي بــدايــات الــقــرن الـثـانـي، والـــذي أنـتـج كـمـا ضخما مــن املؤلفات والتفسيرات واألحكام، أما لم كانت املعضلة تكمن هنا فالسبب أن تلك املؤلفات هي التي هيمنت على العقل الجمعي العام، ومثلت التفسير الرائج لإلسالم على امتداد العصور، وظل هو العقبة الكبرى أمام مختلف حركات اإلصالح التي لم تستطع تجاوزه وال تفكيكه، عالوة على ارتباط كثير من تلك الحركات بأهداف سياسية. هذا التجذر الكبير للمدون الفقهي والحديثي وكتب التفسير وغيرها وجعلها مرجعية لدى بعض حركات اإلصــالح والتنوير جعلها تحمل في داخلها بــذور الفشل وقلة الـجـدوى، إذ إن أول شروط اإلصالح أن يكون خاضعا لظروفه وسياقاته الزمنية وليس مرتهنا لظروف وأزمنة سابقة. تلك الهيمنة وذلك الخوف من تجاوز املدون للوصول إلى النص األصلي املتمثل في كتاب الله تعالى وصحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. أصبح االعتدال معضلة واالنفتاح معضلة ولم تعد التعاليم اإلسالمية أصلية قادمة من املصدر، بل أصبحت مجرد نقوالت قادمة من أزمنة مختلفة ال عالقة لها بالواقع وال بصيرورة التاريخ وال بقيم االستمرار والحيوية التي يحملها اإلسالم وينطلق منها. الحيوية والـعـاملـ­يـة واإلنـسـان­ـيـة الـتـي يحملها الــقــرآن الـكـريـم توارت خلف ذلك الكم الهائل من املؤلفات الفقهية والتفسيرية التراثية وغلب الوعظ على العلم والبحث واملعرفة، وساد نمط غريب من االستدالل بالقرآن الكريم ال يصل إلى أدنى مستويات التدبر والتفكر مما كرس من هيمنة املدون. لم يحسم علماء املسلمن املوقف من الجهاد والدولة الوطنية والتنمية والعالقة مع اآلخر واإلرهاب واملرأة وغيرها من امللفات وذلك لسبب يسير هو أن املصدر املهيمن يتمثل في التراث ولو كانت املصدرية الحقيقية نابعة من القرآن الكريم ملا شهدت تلك امللفات كل هذا التعقيد الذي تشهده اآلن. إن أمة لديها هذا الكتاب العظيم ال يصح أبدا أن يكون هذا واقعها وإن الرسالة املحمدية العظيمة إنما جاءت لتضع نهجا جديدا للحياة لكل العالم، لن تنجح بالتالي كل محاوالت بناء االعتدال والوسطية إال بالعودة الحقيقية للقرآن الكريم، ألننا اكتشفنا بعد كل هذه السنن أننا لم نكن نقرأ كتاب الله إنما نقرأ كالما كتب لنا عن كالم الله.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia