التطاول على النساء وترويع األطفال ليس أمرا باملعروف!
فـــي تـــجـــاوز صــــادم ومـــرفـــوض حــــدث قــبــل نحو أسـبـوعـن، ضــد مجموعة مــن املــواطــنــات الالتي تواجدن في أحد األســواق الكبرى بجدة، وروته لي بعض قريباتي الالتي كن شاهدات عليه ورجونني الكتابة عنه، أقدم أحد األعضاء امليدانين لهيئة األمر باملعروف والنهي عن املنكر على تصرف ال يخلو من الشهامة فقط، بل ويتنافى أيضًا مع قيمنا الدينية ومكارم األخالق، وفوق كل ذلك فإن ما أقدم عليه عضو الهيئة، اصطدم مع مسؤوليته الوظيفية، إذ قام بتحريض مجموعة من الشباب على أولئك النساء!. الــقــصــة شــاهــدهــا كــثــيــرون، وخــالصــتــهــا أن أولــئــك السيدات، ومعظمهن من كبيرات السن، كن يجلسن في املكان املخصص لــلــنــســاء بــأحــد مــحــالت القهوة؛ فــــــي أحـــــــــد األســـــــــــــــواق الــــكــــبــــرى، ويــفــصــلــهــن عــــن مـــكـــان الرجال حاجز ال يسمح بالرؤية، وفجأه ظـــهـــر أمــــامــــهــــن عـــضـــو الهيئة، وبـــادرهـــن بـالـتـوبـيـخ والصراخ عليهن، ثم وجـه حديثه للشباب الجالسن في املكان املخصص لهم في الجانب اآلخـر للمحل قائال: «تعالوا وشاهدوا هؤالء املتبرجات، متعوا أعينكم أيها الشباب برؤية الكاشفات؛ الفرجة باملجان»!. تـطـاول ذلــك (الشخص) لـم يقتصر على العبارة التحريضية السابقة، وإنما أضاف عليها بعض املفردات املهينة للسيدات والـــفـــتـــيـــات املــــتــــواجــــدات هـــنـــاك، لـــدرجـــة أن بــعــض الطفالت الـصـغـيـرات املـصـاحـبـات ألمـهـاتـهـن، أصــن بـالـفـزع وبـــدأن في البكاء، وربما يعتقد من قرأ األسطر السابقة بأن أولئك النساء كـن يفتقرن للحشمة الرتدائهن مالبس فاضحة، أو يتحدثن بـصـوت عـــال تغلب عليه املــيــوعــة، أو يقمن بـتـصـرفـات تلفت إليهن األنظار وال تليق باملرأة املسلمة. وبالطبع فإن أيًا من ذلك لم يحدث، وكان «ذنبهن» -كما أخبرهن عضو الهيئة خــالل تطاوله عليهن- بأنهن (مـتـبـرجـات) -من وجهة نظره-؛ أي أنهن ال يرتدين النقاب أو ال يغطن وجوههن، فــي حــن أن أولــئــك الــنــســوة كـــن مـتـحـجـبـات؛ أي (متسفعات) بالطَرح؛ كعادة الكثير من السيدات في مجتمع مدينة جدة، مع التزامهن بغطاء الشعر وكامل الجسد، إال أنه اعتبر ذلك تبرجًا يستوجب إهانتهن، بل ذهـب ألبعد من ذلـك؛ بدعوته الشباب للـ (فرجة عليهن)!. ورغــم أن الحادثة (قــد) تكون فردية وبمثابة (اجتهاد جانبه الــصــواب) مــن رجــل الهيئة، إال أنــه مــن الصعب إخـراجـهـا من سياقها الــعــام؛ وهــو تــكــرار تــجــاوزات (بــعــض) األعــضــاء على أفراد في املجتمع، ومحاولتهم فرض (رؤيتهم) األحادية للدين، على جميع الناس؛ بزعم احتكارهم الفهم الصحيح للنصوص وتأويالت األدلة الشرعية، وعدم مراعاتهم لالختالفات الفقهية املذهبية، وال لعادات املجتمع في مناطق البالد املختلفة، التي تتفاوت من منطقة ألخرى. وال أظــن أنـنـي بحاجة للتأكيد على أمــر بــات معروفًا لطالب العلم الشرعي قبل كبار العلماء، وأقصد بذلك اختالف الفقهاء منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم حتى اآلن، حول الكثير من املسائل الفقهية، ومنها حكم كشف وجه املـرأة، إذ إن األمر خالفي وقديم، وكل فريق لديه ما يعتقد أنه يؤيد وجهة نظره، وهــو مـا يقودنا للتساؤل عـن أسـبـاب محاولة البعض فرض آرائــهــم فـي القضايا الخالفية على الجميع، رغــم مـا ينطوي عليه ذلك من تنفير عن الدين وترويع لآلمنن. ومـا أود التأكيد عليه هو أننا -نحن السعودين- نحمد الله على نعمة اإلسـالم ووجـود املقدسات في بالدنا، كما ونشكره عـلـى حــرص والة أمــرنــا -يحفظهم الــلــه- عـلـى تطبيق أحكام الشريعة الغراء، وأننا لن نقبل التفريط في ديننا وال التهاون فــي تمسكنا بقيمنا الـسـامـيـة، إال أنه فــي مــقــابــل ذلـــك فــإنــنــا نـتـطـلـع إلـــى أن نـعـيـش مـــع أســـرنـــا بـــســـالم؛ بــعــيــدًا عن األجواء املحتقنة التي ما فتئ البعض يـحـاول فرضها علينا، بزعم أنها من األمــــر بــاملــعــروف والــنــهــي عـــن املنكر؛ رغم إقرارنا بأنها شعيرة سامية ومن ركائز ديننا السمح. املــوقــف الــســابــق جـعـلـنـي أسـتـحـضـر املــوقــف (املـــؤســـف) الذي حـــــدث مــــؤخــــرا فــــي مــجــلــس الـــــشـــــورى عـــنـــدمـــا اعــــتــــرض أحد أعــضــائــه -وبــشــكــل غـيـر نــظــامــي- عـلـى تـوصـيـة بـعـض زمالئه لدمج (الهيئة) مع وزارة الشؤون اإلسالمية؛ مستشهدًا برأي متشدد ألحد الغالة من دائمي االعتراض على توجهات الدولة، واملزايدين عليها، وبصرف النظر عما ستؤول إليه التوصية، فإن ذلك املوقف يؤكد ضرورة مراجعة أسباب التطرف؛ تمهيدًا ملواجهته فكريًا، بجوار املواجهة األمنية املتميزة. ختامًا، أود اإلشارة إلى أن انتقادنا -نحن الكتاب- لتجاوزات بــعــض مـنـتـسـبـي الـهـيـئـة إنــمــا يـعـكـس حــرصــنــا عــلــى صورة ومـكـانـة مؤسساتنا الـديـنـيـة الـتـي نــكــن لـهـا كــل الـتـقـديـر، من أن تــؤثــر عليها تـلـك الــتــصــرفــات، خـصـوصـًا تــجــاه القضايا الخالفية ككشف وجـه املــرأة، وإذا كـان لي أن أقيس هنا، فإن بعض عضوات مجلس الشورى منقبات وبعضهن محجبات؛ وذلـك مثال واضـح على تفاوت الـعـادات في مجتمعنا، ورغم ذلك لم تفرض الدولة وال رئاسة املجلس على املحجبات منهن، ضرورة ارتداء النقاب. بقي أن أتقدم بمقالي هذا إلى معالي الدكتور عبدالرحمن الـسـنـد الـرئـيـس الــعــام لهيئة األمـــر بــاملــعــروف والـنـهـي عن املنكر؛ راجيًا أن يعتبره بالغًا ضد ذلك العضو املتجاوز؛ ما يستوجب التحقيق والعقاب، كما أرجوه التأكيد على رفع وعــي األعـضـاء امليدانين، وزيـــادة فهمهم لفقه االختالف، وإفهامهم أن التطاول على النساء وترويع األطفال ليس من األمر باملعروف في شيء!.