اليمن: احلاجة إلنهاء حالة االستقطاب
تفرز الحروب األهلية طبقات مجتمعية جديدة نتيجة االستقطابات الــتــي تــحــدث وتــكــون الغلبة املـؤقـتـة ألصــحــاب األصــــوات املرتفعة واملــتــطــرفــة الــتــي تـحـمـل الــســالح لــإلعــالن عــن مـواقـفـهـا السياسية واملـذهـبـيـة، ولـكـن كــل هـــؤالء لـيـسـوا تعبيرا حقيقيا عــن ضـحـايـا خــالفــات حملة السالح وروايات التاريخ، تعلمنا أن الحرب األهلية تجيء تعبيرا عن انسداد أفق وسوء تعامل مع املوقف وتشدد القابضن على مفاصل الحكم سواء كانوا يمثلون طبقة أو منطقة أو مذهبا. الــحــرب األهـلـيـة الــدائــرة فــي اليمن مــرت بمرحلتن فـارقـتـن؛ فــي األولـــى تمكنت جماعة أنصار الله (الحوثين) من التمدد خارج نطاق نفوذها املذهبي في صعدة فوصلت إلى العاصمة في ١٢ سبتمبر ٥١٠٢، وتمكنت من فرض حالة بدت في الظاهر سياسية ألصحاب النوايا الطيبة (يقولون إن النوايا الحسنة هي أقصر الـطـرق إلــى جهنم) وفــي ذلــك الـيـوم وقعت األحـــزاب على (اتـفـاق السلم والشراكة الوطنية) وخــرج الفريق (الــلــواء) علي محسن األحمر من اليمن بعد أن أيقن أن مصيره لن يختلف عن زميله العميد القشيبي الذي قتله الحوثيون في عمران قبل اقتحام صنعاء، واليوم يقول خصوم الحوثين إن تلك االتفاقية فرضت عليهم بقوة السالح، وهـذا صحيح في جزئية كبيرة منه، ولكنه أيضا يفضح هشاشة األحزاب وجشعها للمشاركة في الحكم بأي ثمن، وهي لم تكن مجبرة على قبول األمر، رغم كل املبررات التي يروج لها قادتهم كما عهدنا بعد هزيمة ٧٦٩١ بأنها مجرد نكسة. املرحلة الثانية بــدأت فـي ٠٢ يناير بخطوة تــدل على قصر نظر وقـفـز فــوق كل نواميس العمل السياسي، حن قامت ميليشيات الحوثي بمحاصرة منزل رئيس الدولة ورئيس الحكومة وعدد من وزرائهما واستولوا على كل مؤسسات الدولة، وحينها أيضا استمرت األحزاب في التفاوض معهم حول املخارج، ولعل الجميع من غير أصحاب الـذاكـرة الضعيفة أو الحزبين املتعصبن يتذكرون أن مجمل النقاش كان يدور حول ترتيبات الحكم وكيفية تقاسم السلطة، ومن املفيد أيضا إنعاش ذاكــرة هــؤالء بأنهم تفاهموا بـأن يحتفظ الرئيس هــادي بموقعه رمزيا حتى تنتهي الترتيبات النهائية. خـالل فترة احتجاز الرئيس هــادي وخـروجـه مـن صنعاء تـجـاوز الحوثيون كل قواعد العمل السياسي وعبروا عن ضيق باآلخر ورغبة لالنفراد بالحكم وتحويل البالد إلى ملكية خاصة لفئة بعينها، وتوسعت عمليات االعتقال وتفجير املنازل، وهـــرب الـكـثـيـرون مــن بـطـش ممثلي الـحـوثـيـن وأنــصــارهــم، وتــحــول الـيـمـن بن ليلة وضحاها إلى ساحة حرب ممتدة من جنوب صنعاء الى أقصى محافظات الجنوب مــرورا بتعز املنكوبة، ولـم يتوقف طيشهم عند هـذا الحد بـل تصوروا قدرتهم على تهديد جيرانهم في السعودية، وأعلنوا بسذاجة سياسية عن عالقات كبيرة مع إيــران.. فعل الحوثيون كل هـذا وتوهموا أن خضوع الـداخـل سيقابله قبول اإلقليم بما ارتكبوه من انتهاكات وتعريض استقرار املنطقة إلى اضطرابات لـم يــدرك (السيد) عبدامللك الحوثي مخاطرها ونتائجها ألنــه بعيد عـن أحداث العالم ويفهمها من منطلق قناعات دينية وتفسيرات ال ترتبط بالواقع. بعد عامن من الحرب، صار من الحيوي توقف اليمنين أمام كوارث حاضرهم، أما مستقبلهم فقضية ال أتصور أنها تثير قلقا عند من يبحث عن قوت يومه، ويتفاقم املـــأزق الـوطـنـي بـغـيـاب تـأثـيـر الــقــوى الـتـي لــم تحمل الــســالح وال تقبل مــا أحدثه الحوثيون في نسيج البالد االجتماعي واملناطقي ولكنها أيضا غير مقتنعة بأداء الشرعية، كما أن اتهام كل من انتقد الشرعية بأنه مساند لالنقالب فيه اعتساف للحقيقة، ويجب التشبث بكل املساعي إليجاد مسالك غير طرق الحرب والدمار ففي نهاية املسار يدفع اليمنيون الحائرون بن املتقاتلن الثمن وحدهم.