Okaz

احلياة.. وليس نصفها

- ﻭﻣﻀﺔ ﺷﻌﺎﻉ إبراهيم إسماعيل كتبي

نهتم بالتأهيل للعمل وهذا جيد ومطلوب، لكن التأهيل للحياة أوسع وأكثر إلحاحا، فـمـع تــطــورات الـعـصـر تـــزداد الـضـغـوط املــاديــ­ة ملـواكـبـت­ـهـا دون تـأهـيـل كــاف وصحيح بثقافة االستقرار، وهذا هو لب إشكالية إنسان العصر في فهم جودة الحياة واستيعاب متغيراتها. التربية فـي هــذا الـزمـن ثقلت أوزارهـــا على األســرة وعلى التعليم وحتى على الدعوة الصحيحة، ألســبــاب متشابكة تحتاج إلــى مـراجـعـة مكثفة ومــتــجــ­ددة، وإلــى دراسات ونقاشات من ذوي االختصاص حتى تصل رسالة الوعي إلى العمق املجتمعي، علها تعيد شيئا من التوازن التربوي، لتفعيل الدور اإليجابي لإلنسان تجاه نفسه ومجتمعه الصغير الكبير. زمــان كـانـت أمـيـة الــقــراء­ة والـكـتـاب­ـة منتشرة، لتتالشى تباعا بخطط محوها وبنشر التعليم، واليوم أمية أخرى مستجدة ظهرت بن شرائح واسعة تكمن في األمية التقنية التي حتما ستضيق تباعا وربما تنتهي مع توالي األجيال وانتشار أجهزة التواصل ولغة الحاسوب، لكن هل هذا يعني تحقيق الوعي والتنوير الحقيقي؟ في كل األحوال تظل ثقافة الحياة مهمة إلكمال محصلة التربية والتعليم، وضعفها هو األخطر عندما ينال من قيم أصيلة، ونظرة سريعة على حال البعض، نجد أمية فجة لدى من يتبعون هواهم فاختلطت لديهم الحقوق على حساب الواجبات، واسألوا عن حال األسرة والذي نترحم على روابطها، وعلى العمل ونسبة األداء وحجم ضياع الوقت ليل نهار مع أجهزة وتطبيقات االتصال والتواصل والعقول والوجوه الديجيتال في العالم االفتراضي. التعليم له مؤسساته التي تشمل الجميع، وفيه سجالت الحضور والغياب ودرجات التفوق والنجاح أو الرسوب في اختبارات املقررات، لكن التعلم للحياة له مسارات أوسع وأشمل في كل مجال، من املعارف واملهارات املهنية وقيم العمل وثقافة جودة الحياة، وقيم املعاملة، عبر بناء الفكر ومنظومة املبادئ والثبات عليها، مثلما القدوة الصالحة مطلوبة لكن تأثيرها وبصماتها أكثر أهمية تربويا ولصالح الفرد واملجتمع. الخلل في هذه املنظومة يضيع حصاد التربية والتعليم على أرض الواقع، وهذه الثغرات والتشتت التربوي يخلق حالة أو ظاهرة (أنصاف املتعلمن) وهي أخطر ألنهم يعطلون لديهم مفاتيح التفكير وال يعظمون أهداف العلم ومقاصده، وأنصاف املتعلمن ليسوا من حصلوا على شهادات دنيا أو اكتفوا باألقل منها أو توقفوا في منتصف الطريق، وإنما الذين ال ينهلون من الثقافة األوسع للحياة ليثروا معارفهم وخبراتهم وقيمهم، وينقادوا وراء الزبد من األقــوال واألفعال واليعنيهم حسن السير والسلوك، وتضعف سيطرتهم على النفس فتغلبهم الطبائع والغرائز (والبحلقة) وتتبع ونشر خصوصيات البشر، وصوال إلى مستنقع جهل التعصب وجشع االنتهازية وفساد الذمة. أهلنا زمـان كان فيهم أميو القراءة والكتابة، لكنهم كانوا أكثر خبرة ووعيا بالحياة وتحصنوا لها فاستقامت حركة املجتمع، حيث غرسوا قيما جميلة وتركوا موروثا ال زلنا نذكره لهم بالخير من جميل الصفات قوال وفعال، وروابط أسرية ومجتمعية، وقيم التوقير والعطف وصلة األرحام وحق الجار في البيت ومحالت الرزق، وحفظ الجوارح ونقاء الجوانح والصبر الجميل. كل هذه القيم مفردات ثقافة الحياة والتعلم املكتسب في كل زمان ولكل جيل، لكن في عصر املادة والتواصل املفتوح ليل نهار، تعطلت مفاتيح اإليجابية، وإذا أردنا العود األحمد، علينا بمفهوم وطبيعة الحياة السوية املتزنة وليس هوى نصفها. قال تعالى «إن الله ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia