الفارسي يسرد الشعر فبكت األرض وضحك زحل
يقول الروائي (إبراهيم نصر الله) كانت الجدات يــرويــن لـنـا حــكــايــات الســتــدراجــنــا إلـــى النوم، بينما يقوم الروائي بإعادة صياغة ما اكتنزه مــن حـكـايـات ليوقظ الــذاكــرة والــعــالــم. الكتابة الـــســـرديـــة مـــهـــارة لــغــويــة يــتــمــكــن بــهــا السارد املــتــفــرد مــن إدخــالــك عــنــوة إلـــى عــالــم فانتازي كأنما هو واقـع أو إلى عالم واقعي مفنتز. في روايـــة الــروائــي الـعـمـانـي عـبـدالـعـزيـز الفارسي (تــبــكــي األرض يـضـحـك زحــــل) ثـيـمـة عاطفية ترصد وشائج اجتماعية يومية وتنقلها إلى الــقــارئ فــي قــالــب ســـردي يـظـهـر مـــدى التفاعل بني اإلنسان واملكان من خالل قرية تمثل معظم أو كل القرى في عاملنا العربي. بالطبع تصدر الــكــتــابــة عـــن دوافـــــع ذاتـــيـــة. وتــحــفــز شخصية الكاتب املثقفة القارئ على تلمس ما بني السطور. دون أن يشعرك أنه يمارس نضاال أو يفرض وصاية، من فضاء القرية ينطلق الفارسي بلغة واقعية ال تبالغ في تصوير املشاهد وال تؤسطر الشخصيات تـــلـــك الـــلـــغـــة الـــحـــيـــويـــة تستحثنا على اختصار املسافات واإلصغاء لـصـوت اإلنــســان دون أي مؤثرات. لم يذهب الفارسي إلى تقمص دور املؤرخ لقريته ولكنه حاول عبر خالد بخيت البطل الرئيس أن يؤسس لوعي ما من خـــالل ثـقـافـتـه وقـــدراتـــه الــخــاصــة، لــيــدخــل في صراع التقليدي مع الحداثة، فاختار أن يغني أغنية السطر الواحد (وحيدا كنت يــا وطــنــي، وأنـــت مـعـي تـسـافـر في تسكنني) أغنيته تلك التي يعدها (أقصر أغنية عزفها تاريخ الهزائم، وأطــــــــــول حــــــزن أدمـــــنـــــه الــــغــــيــــاب). لــلــحــكــايــة الــشــعــبــيــة حضورها. ولثراء الحياة االجتماعية دوره في إغـــراء الــقــارئ بالتفاعل مـع يومي بسيط وعميق ال يحتاج ملقدمات طــويــلــة. عـمـل شــعــرن فـيـه الفارسي الـــســـرد حــتــى أبــكــى األرض وأضحك زحل. خصوصا عندما يتجلى الحس الساخر مــن خـــالل تـتـبـع األســـمـــاء واملــهــن فـهـنـا املؤذن عـبـيـد الــديــك. ورائــــد الــبــطــون املـنـتـفـخـة حميد الدهانة. والشخصية النفعية سعيد الضبعة. إن الفارسي بمهارته ينقل القروي العربي من أي بقعة إلـى قريته فكأنه لم يخرج من رفرفة الطفولة إال إلى مجلس املحاكمة املنتظر. مرورًا بــالــشــرفــات الـشـبـقـة فــي ظــل غــيــرة الــريــح على الـطـني قبل أن يـولـد الفجر الـحـكـايـات. الرواية صادرة عن دار االنتشار في طبعة ثانية. وتعد أول تجربة روائــيــة بعد املجاميع القصصية. (جـــــــروح مــنــفــضــة الـــســـجـــائـــر. الـــعـــابـــرون فوق شظاياهم. ال يفل الحنني إال الحنني، مسامير) وله رواية مشتركة مع سليمان املعمري بعنوان (شهادة وفاة كلب).