Okaz

األقربون أولى باملعرفة

-

كثيرًا مـا ظلمنا النص الديني بتوظيفه ملصلحتنا الشخصية عندما نحتاج إلى ذلك، مستغلني أن اللغة حمالة أوجه، وأن اآلية والـحـديـث يتسعان ويـضـيـقـا­ن بحسب قـنـاعـة مــن ينصب نفسه سلطة على النص بالنص. ومما شاع بيننا على أنه توجيه نبوي كريم، وتلقته األمة بالقبول (األقربون أولى باملعروف)، وبما أننا مجتمع عائلي وقبلي فمن الطبيعي أن نعطف ونشفق على ذوي القربى ونخصهم بالفضل واإلكــرام. وربما كانت هذه من مآخذ الناقمني على عثمان بن عفان رضي الله عنه كونه أدنى إليه ذوي رحمه وشركاءه في نسبه، وخصهم بما لم يخص به آخرين، ما دفـع صحابيًا بحجم أبـي ذر الغفاري إلـى انتقاد ما يــرى، فكان قرار النفي إلى الربذة. بــني الــكــائـ­ـن املـــعـــ­روف وبـــني الــكــائـ­ـن املــعــرف­ــي بـــون شــاســع، ربما ال نـدركـه، أو أننا نـدركـه ونتجاهله، برغم أن اآليــة صريحة في ترجيح كفة املعرفي (إن خير من استأجرت القوي األمـني) إال أن املعروف ينال حظوة أكبر على مستوى الزواج والوظيفة والترقية والعالوة واالنتداب والتجاوز عن الهفوات، وربما هذه من سمات حقبة مـا قبل رؤيــة التحول الـوطـنـي؛ كونها حقبة تعالى فيها البعض على النقد واملراجعة حتى جعلت من رصـد املالحظات وإعالنها عداء مطلقًا وترصدًا لألخطاء. ناقش الصحابة النبي عليه السالم عندما اقترح عليهم طريقة لتلقيح النخل اتضح الحقًا أنها غير صالحة، ما دفع املصطفى إلى االعتذار بكل شفافية، وقال «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، ليقرر أن املعرفة من خالل العلم أو التجربة هي أرقى وسائل النهوض باملجتمع، بـل هـي الـعـدل ذاتـــه، خصوصًا عندما نختار مؤهال ليشغل منصبًا أو وظـيـفـة بــصــرف الـنـظـر عــن صـلـة قـرابـتـنـ­ا به أو صلة قرابته بمن يعز علينا. أتمنى أن نلغي مصطلح (وش يرجع) و(وش هو من لحية) أو (تعرفه) أو (يقرب ملن) ونحتكم إلــى األهـلـيـة واملــواصـ­ـفــات املعرفية واملعايير املـوضـوعـ­يـة. نحن نحتاج اليوم معرفيني ال معارف، وكم جّربنا املعروفني لنا سنني عددا، ونتطلع لفرصة نمنح الفرصة فيها للمعرفيني، ومن يحب شخصًا فليمنحه فرصة للتعلم والتعرف والـتـدرب واالبتعاث، فاألقربون أولى باملعرفة، ولن نكون أفضل إال بتغيير الطريقة

التي كنا نفكر ونعيش بها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia