أشواك من ميسك العصا؟
باألمس كتبت مقاال عن أهمية إفشاء العلم في أي جزئية دينية تخص الناس ملا في ذلـك من تيسير ووضعهم على بينة من تعدد اآلراء الفقهية في املسألة الواحدة، وأن إفشاء العلم في الزمن الراهن ضرورة تستوجب التخلي عن الحذر خــاصــة إذ كــانــت كـثـافـة الــدهــمــاء قــد تـنـاقـصـت (عــمــا كانت عليه األمـة من جهل) وغـدت طبقة املتعلمني تحاصر أقلية العامة وهذا أدعى إلفشاء العلم إذا صح بيانه أو لم يصح، فهذا القيد تضعضع مع وجود النخب في كل مجال. وعلى املشايخ دفع الناس للتثقف في أمر دينهم من خالل القراءة ويكفينا عشرات البرامج التي تدور في دائرة األسئلة الباردة واإلجابة األكثر بــرودة، وإذا كنا نمضي كل سنوات دراسة العامة والجامعية ندرس الفقه وبعد ذلك يخرج منا عشرات األفراد يسألون في قضايا مروا عليها دراسة وتطبيقا، فهذا يعنى فشل كل ما يحدث على أرض الواقع من تلقني وحفظ... وال أريـــد االنــقــيــاد خـلـف هـــذا اإلســهــاب فــي مـسـألـة األسئلة واألجوبة التي خلقت أناسا ينتظرون اإلجابات الجاهزة، إذ أننا غدونا نعشق امللخصات في كل شيء...حتى الدين نريد له مخلصات في كل عبادة وكل أدعية! دعــونــا نــعــود إلــى ضــــرورة إفــشــاء الـعـلـم، وكـثـيـر مــن الفقه ستر على قضايا اعتبرها من علم الخاصة والتي ال يجب معرفة العامة بها، ومــن علم الخاصة املكنون هـي األمور املتعلقة باملرأة وعملها إذ تم تقنني عمل املرأة في عملني أو ثالثة وأغلقت عليها بقية األبواب لدينا واعتبر البعض أن عملها: طبيبة أو ممرضة أو محامية أو طيارة أو مهندسة ال يـــرضـــي الـــلـــه وال رســـــولـــــه... ومــنــعــت مـــن عـــشـــرات املهن بسبب الخشية على املــرأة من الـخـروج من بيتها حتى لو أنها درسـت وحصلت على الشهادات العليا فيكفى علمها لنفسها ولتلزم بيتها.. وألن الحياة ال تقف عند حد أو أحد فهي تسير وفق احتياجاتها وتزيح من يرفضها لتجعله أثرا بعد عني.. وفــي أمــس األول أوضــح الشيخ عبدالله املنيع جــواز عمل املــرأة (مأذونة أنكحة) وفي عملها هذا ال توجد أي موانع شرعية.. هذه اإلجازة لم تكن لتصدر في زمن سابق إذ ظلت كثير من األحكام الفقهية في خزينة بعض العقول ولم يسمح بفتح تلك الخزينة املوصدة إال في األيام القليلة املاضية.. وإذا كـــان األصـــل فــي األمــــور جميعها الــحــل باستثناءات قليلة في املأكل واملشرب وامللبس، فلماذا تم تعميم الحرام أو املحرم في أمور كثيرة؟ وعن عمل املرأة تكالبت كثير من األحكام املانعة لعملها أو صعودها إلــى أعلى املناصب وقـابـل هــذا املنع آراء فقهية أخرى (في بلدان إسالمية أخرى غيرنا طبعا) تجيز تولي املــرأة منصب رئيسة دولــة وهناك من أجــاز عملها قاضية كــون الـقـضـاء جــهــازا مــن أجــهــزة الــدولــة ولــيــس لــه الوالية العامة.. وحـني يتم كتم علم عشرات األحـكـام الفقهية استنادا على قــــول قــديــم لــبــعــض الــعــلــمــاء بــعــدم الـــخـــوض فــيــهــا بحجة الخشية على الناس من التفلت أو التواكل أو االستسهال يكون هذا الـرأي معتمدا على التميز والتخصص للعلماء الربانيني وهي الحجة الواهية كون الدين ال تخصص فيه كما أشرت في مقالة األمس. أخيرا لو قلت ألحـد مـا: أن السيدة عائشة رضـى الله عنها جلست للفتوى فهل تجيز للمرأة الـدخـول إلـى هيئة كبار العلماء وأن تكون مفتية؟ ستجد عشرات األصابع تتابعك لعنا وإدانة على جرأتك على ما لم نعتد عليه. أكرر الحياة تسير على عجلتها الضروس، وتطحن كل ما ال يتسق مع مسيرتها، فالله خلقها ألن تقبل كل االختالفات والتناقضات.