Okaz

«ِقياْس».. فخ أسقط العباقرة واملجتهدين

- حمزة عصام بصنوي

لقياس أي مقدرة عقلية، يتحتم أوال قياس توجهات مـن نريد اختبارهم، وعندما نعود لبداية االخـــتــ­ـبـــارات الــعــقــ­لــيــة نــجــدهــ­ا بدأت مـــن «ألـــفـــر­يـــد بــيــنــي­ــت» الفرنسي بتكليف من الحكومة الفرنسية إليجاد وسيلة للتعرف على املـــعـــ­اقـــن ذهـــنـــي­ـــًا، وحـــــذر الطبيب «بينيت» من هذا االخــــتـ­ـــبــــار ومحدودية استخدامه وعدم قابليته لغير ما خصص منه. ومــــــــ­ــــــــن الــــــــ­ـطــــــــ­ـريـــــــ­ــف أن «الــــجـــ­ـمــــعـــ­ـيــــة الوطنية للتعليم» في الواليات املـــتـــ­حـــدة األمريكية والـــــــ­تـــــــي ينتسب إلــــــــ­ـيــــــــ­ـهــــــــ­ـا نــــحــــ­و مـــلـــيـ­ــونـــي معلم حــــــيــ­ــــنـــــ­ـذاك أصــــــــ­ـدرت بــيــانــًا فـــي عــــام م1979 بــإلــغــ­اء اخــتــبــ­ارات قياس الـــــقــ­ـــدرات الــعــقــ­لــيــة كافة، ألنـــهـــ­ا فـــي أحــســـن أحوالها مــضــيــع­ــة لـــلـــوق­ـــت والجهد وفي أسوأ أحوالها مدمرة في تبعاتها، لعجز االختبارات في تعريف الذكاء، وما الذي تحاول فعال قياسه، كما أثبتت حصولها على نسبة متدنية فـي التنبؤ بإنجازات األفراد املستقبلية في األعمال والدخل ومستوى املعيشة والقدرة على التأقلم. والكارثة أننا إن أردنا قياس مقدرة عباقرة الـتـاريـخ، فاملتوقع بكل تأكيد رسوبهم فــي االخــتــب­ــار، فـآيـنـشـت­ـايـن سـبـق لــه أن عرف بنفسه أنه كان ضعيفًا في القراءة والـكـتـاب­ـة فــي مــدرســتـ­ـه، كـمـا أنــه تــأخــر فــي الـنـطـق وكـــان بطيء االستيعاب، وكذلك يلحق به أديسون مخترع الكهرباء، والذي كان طالبا بليدًا، وكان يصفه معلمه بالفاشل وسبق طرده من مدرسته، وغيرهم الكثير، ولو أكملنا السرد لتهنا في هذا امليدان، فقبل أن نحكم على فشل اختبارات «قياس» املقررة على أبنائنا، يجب علينا معرفة السبب لهذا الفشل. فالعقل كما قسمته بوصلة التفكير لهيرمان: -1 املــوضــو­عــيــون والــتــحـ­ـلــيــلــ­يــون، وهـــم كثيرو األسئلة واملهتمون بدقائق األمور، ويسعون خلف التفاصيل. -2 الــــتـــ­ـنــــفـــ­ـيــــذيــ­ــون، أو كــــمــــ­ا أسميهم املــبــرم­ــجــون، ويــمــتــ­ازون بــجــودة العمل واإلتقان والتنظيم وإدارة الوقت. -3 العاطفيون، ويمتازون بعالقات جيدة مع اآلخرين ويحبون العمل كفريق واحد ولـديـهـم قــوة فـي االنـسـجـا­م دون غيرهم. -4 اإلبـــداع­ـــيـــون، ولديهم الـــقـــد­رة عــلــى االبتكار واإلبـــــ­ــــــــــ­ــداع ونــــظـــ­ـرة مختلفة للمستقبل دون غـــــيـــ­ــرهـــــم، كـمـا لـديـهـم حس املغامرة. كـــــــــ­ـمــــــــ­ــا أجــــــــ­ـــــــرى الــــــــ­ــعـــــــ­ـــديـــــ­ـــــد مــــن العلماء األبحاث والـــدراس­ـــات حول الـــــذكـ­ــــاء البشري، ومـن أهـم النظريات فــــيــــ­هــــا هـــــــــ­ـي: الــــــذك­ــــــاء املـتـعـدد، لـأسـتـاذ بكلية هــــارفــ­ــرد، الـــدكـــ­تـــور هــــوارد جاردنر، واستنتج من خاللها أن الذكاء ليس فرديًا، وال يعتمد تصنيف األفراد بناء على درجة ذكــــائــ­ــهــــم، بـــــل عـــلـــى طبيعة الــذكــاء الـــذي يتمتعون به، وتمكن مـن تـوزيـع الذكاء الـــبـــش­ـــري عـــلـــى ثمانية أنواع: لغوي، رياضي، حــــركـــ­ـي، اجتماعي، ذاتـــــــ­ـــي، موسيقي، بـــــصـــ­ــري وأخـــــيـ­ــــرا الذكاء العاطفي. ولكل هذا كم كبير مــــــن التفاصيل والــتــي تـــدل عـلـى أنـــه مــن اإلجــحــا­ف حــقــًا، قــيــاس قـــدرة الطالب والحكم عليه بناء على مجموعة من األسئلة الكمية واللغوية واملنطقية، دون التفكير في بقية عوامل النجاح التي تكون سببا في تفوق الطالب عمليًا وحياتيًا. مـن املـؤسـف أن نــرى طالبا مجتهدا حــاز على %100 في الثانوية العامة يحصل على درجة 65 في اختبار الـ«قياس» ومتساويا مع شخص غير مبال وبدرجة متدنية فـي الثانوية العامة، وبـهـذا تتوقف آماله وطموحاته في خدمة وطنه، ما يؤثر عليه سلبا في حياته املستقبلية، وألجل الوطن أتمنى إلغاء اختبارات قياس.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia