توطني الثقافة.. تكوين املثقف أوال

يعتبر التخلف الثقافي بمثابة قضية أخالقية شائكة، إذ إن الفشل في الوصول إلى توافق مجتمعي قد يسبب نشوء صراعات داخل املجتمع، وفي دول العالم الثالث عموما والوطن العربي خصوصا، ويؤدي ضمور الوعي االجتماعي إلى ميل الثقافة للجمود لفترة طويلة. وذلك بسبب الربط غير املوضوعي بن التاريخ املميز للعرب، الـــــذي كــــان الـــجـــزء األهـــــم مـــن خصائصه يكمن في تطوير العرب لثقافتهم وحفظ ثــقــافــات حـــضـــارات أخــــرى مـــن الضياع، وعدم االعتراف بأن جزء ا من هذا املوروث لم يعد نافعًا لوقتنا الحاضر، ما أدى إلى تعطيل عملية التطور والتنمية. فعملية التنمية عملية مركبة تلتقي فيها عوامل عـــدة، وإجـــــراءات اجتماعية واقتصادية وســيــاســيــة وأخـــالقـــيـــة، ويــمــكــن أن يؤدي غـيـاب واحـــدة منها إلــى إضعافها وتشويهها جميعًا. ال شــك أن انــتــصــار الــبــرجــوازيــة ونــظــامــهــا الرأسمالي فـي الــدول املتطورة منذ الـقـرن املـاضـي قـد جعل عملية التطور فيها تتم على حساب مجتمعات العالم الثالث، األمر الذي منعها من االعتماد على الذات أو االستفادة من التطور التكنولوجي سنن طويلة وأوقعها في حالة مــن الــركــود الـنـسـبـي، وحـــول ظــاهــرة التخلف مــن حالة مؤقتة إلى حالة بنيوية دائمة. وال شك أن بعض املثقفن أسهموا فـي تنمية وعــي مشوه بانصرافهم عـن دراسة أســبــاب الـتـخـلـف إلـــى كــتــابــات سـيـاسـيـة حـــول اإلرهاب والــديــمــوقــراطــيــة وحــقــوق اإلنـــســـان، إضــافــة الستيراد القوالب الغربية الـجـاهـزة، ونـسـوا أن عليهم مسؤولية مــحــاولــة اإلصــــــالح االجــتــمــاعــي والــتــوجــيــه السياسي والنصح األخالقي، ما أدى النقطاع املجتمع العربي عن روح الــعــصــر، حـتـى أصـبـحـت اإلشكالية مزدوجة بن مظاهر التخلف وأسبابه. وإذا كـــــان املــثــقــف هـــو عــقــل األمــــــة فهو يــحــتــاج ال شــك آللـــة املــؤســســات لتفعيل دوره الـنـهـضـوي، ويــكــون ذلــك بتحويل الـــســـكـــان إلـــــى مــجــتــمــعــات مؤسساتية تتبنى إعــادة تكوين هذا املثقف لتجعل له دورا في نهضة شاملة كما حـدث في الـقـرن الـتـاسـع املــيــالدي، وبـعـد إتـمـام هذا الـتـحـول تصبح املـسـؤولـيـة عـلـى عـاتـق املـثـقـف بإخراج املجتمع من العزلة الفكرية عن الثقافات األخـرى وبناء عالقة متكافئة بن اإلنسان والبيئة التي يعيش فيها. إن الدور املـزدوج بن املجتمع واملثقف بالتربية والتأهيل الــنــظــري والـعـمـلـي يـجـعـل املـجـتـمـع فــعــاال باستطاعته إيصالنا لحلم توطن الثقافة.