عودة أمريكا

تسعة وخمسون صاروخا أمريكيا من نـوع توماهوك تستهدف مطار الشعيرات العسكري الـتـابـع لنظام األســـد والـــذي انطلقت منه الــطــائــرات الـتـي نـفـذت املجزة الدامية في خان شيخون الثالثاء املاضي، وتدمر املطار وتكشف عن عودة أمريكية للمنطقة بعد االنسحابات السابقة والفراغات التي تسببت بها إدارة أوباما السابقة. اآلن ســيــنــبــري لــــك عــــروبــــي عــتــيــق يــســتــنــكــر عــلــيــك أن تـــؤيـــد أن قـــــوة أجــنــبــيــة تــقــصــف أرضا عـــــربـــــيـــــةمــــســــلــــمــــة،العــــلــــيــــكفـــــهـــــوذاتـــــــــــهالـــــــــــذيكـــــــــانيـــــرى في ميليشيا حزب الله مقاومة وفـي أمينها العام قائدا للمقاومة إبان العبث الذي ارتكبه الحزب العام ،2006 علما أنه ال سوريا وال جــنــوب لـبـنـان لــم تـعـد أرضـــا عـربـيـة مـنـذ بــدأ ذلــك التوغل اإليراني وتبعه ذلك التدخل الروسي. فــي الــثــامــن عـشـر مــن ديـسـمـبـر الــعــام 2011 عــبــرت آخـــر عربة أمريكية مــدرعــة مــن الـفـرقـة الثالثة الــحــدود الـعـراقـيـة باتجاه الكويت معلنة االنسحاب األمريكي من العراق بعد تسع سنوات خلفت ما يزيد على أربعة آالف قتيل وأكثر من 30 ألف جريح أمريكي، كان إنزال العلم األمريكي في الحفل البائس الذي شهده مطار بغداد إيذانا باندالع صراعات عراقية طائفية وتوغل إيراني وتغيير ديموغرافي كبير انطلقت أعماله صبيحة اليوم التالي لالنسحاب، وهو ما فاقم الوضع في العراق وجعل منه دولة فاشلة تتنازعها الحروب والصراعات الطائفية والتوغل اإليراني. كان االنسحاب األمريكي إلدارة أوباما في تلك الحقبة جزءا من عملية استقبال الربيع العربي في املنطقة وتجسيدا لنظرية اإلدارة من الخلف، كان اإلدارة األمريكية آنذاك ترى أنه حان الوقت ليتولى الشارع إدارة كل قضاياه في إعالن ملرحلة جديدة من الفوضى لم يكن الفتور الذي أصاب عالقة واشنطن بالحلفاء األقرب في املنطقة إال إحدى نتائجها. في الـواقـع أن قائد أمريكا هو الــذي يــدرك مسؤوليتها وموقفها الحقيقي املفترض من العالم، فقدر أمريكا أن تكون لديها مسؤولية تجاه العالم بصفتها نموذجه األبرز على مستويات القوة والتنوع والتأثير، وبال مبالغة كما هو دور اململكة العربية السعودية األخالقي تجاه منطقتها وأمنها. وهو ما يفسر البيان السعودي املوفق الذي تال الضربة األمريكية على مطار الشعيرات. لم تكن جريمة خان شيخون هي الجريمة األولـى التي ترتكبها ميليشيا األسد بحق املواطنني الـسـوريـني، فـي الثاني عشر مـن أغسطس الـعـام 2013 كانت الغوطة الواقعة شرق دمشق على موعد مع جريمة بشعة استخدم فيها نظام األسد الغازات الكيماوية وسقط ضحايا باملئات، ومثلت تلك الحادثة تجاوزا للخطوط الحمراء التي تحدث عنها الرئيس األمريكي السابق أوباما مهددا أنه لن يسمح لنظام األسد بتجاوزها، ورغم املحاوالت الكبرى التي بذلتها دول املنطقة وعلى رأسها اململكة لحث واشنطن واملجتمع الـدولـي على القيام بــدوره اكتفى الرئيس املثقف أن يعبر البيت عن قلقه، كانت تلك الردود تطمينا لنظام األسد أن خطوط أوباما الحمراء ليست كذلك ليبدأ بعدها زمن البراميل املتفجرة واألسلحة املحرمة دوليا في أبشع مجازر شهدها العصر الحديث. سـوف يكون من املالئم جـدا لواشنطن أن تعود إلـى املنطقة عبر أبـرز ملفاتها وقضاياها وهي امللف السوري، وسيكون من األقرب للشارع العربي وهو يرى شيئا ما يسعى إلنهاء تلك املأساة اإلنسانية التي عايشها ملدة ست سنوات. وسيكون للشارع العربي أيضا فرصة أن يرى أن الدول التي وقفت مبكرا ضد نظام األسد كانت تدرك أن القتل التدمير الذي بدأ لن ينتهي إال بقوة ردع دولية كبرى.