Okaz

ردة فعل ضد إرهاب األسد

-

لــم تكن الـجـريـمـ­ة البشعة الــتــي اقـتـرفـهـ­ا نــظــام بــشــار األســـد فــي خــان شيخون، غريبة على هذا النظام الدموي. فقد سبقه أبوه حافظ األسد في استخدام نفس اإلبادة الجماعية لشعبه، فكالهما مجرم، فاالبن صنو أبيه باستخدامه أسلحة كيميائية في مواجهة شعب أعزل مغلوب على أمره ظنًا منه، أو لكون هذه الجريمة البشعة لم تكن تمر كسابقاتها دون أن يكون لها رد فعل عاملي متساو مع هذا الجرم الال إنساني، فقد تجاوز هذا النظام في عدوانه على شعب سورية كل الخطوط الحمراء، ولم يعد من املقبول السكوت عن هذا النظام املـارق، حتى وإن ظل مستندا في وجوده إلى الدعم املريب الذي يجده من النظامني الروسي واإليراني.. وال يمكننا بأي حال من األحوال أن ننظر للضربة الصاروخية التي وجهتها اإلدارة األمريكية لقاعدة الشعيرات السورية، إال على أنها كانت ضربة ضـروريـة، ومهمة، خاصة أنها استهدفت مطارا عسكريا، بما يمكن أن يشل من قـدرات نظام بشار في توجيه ضرباته لألبرياء العزل.. كما يمكننا أن نذهب إلى القول إن هذه الضربة تمثل تحوال مهما وضروريا على مستوى الساحة السورية، بعد أن وقفت أمريكا لفترة طويلة تدير معركة املفاوضات مع اإلدارة الروسية، بوصفها الــذراع التي ظلت تحمي جرائم النظام السوري، وتجد له املسوغات، مسنودا في ذلك بنظام املاللي في إيران، ليقفا معا ضد اإلرادة العاملية، املجمعة على تجريم النظام السوري، قياسا على ما هو مشاهد في مسرح األحــداث الدامية، واستهداف األطـفـال واألبــريـ­ـاء، منذ أن اندلعت هـذه األزمــة الكبيرة.. فتوقيت هــذه الـضـربـة، والـتـحـرك األمـريـكـ­ي الفعلي فـي مـسـرح األحــــدا­ث، يمثالن – نقلة نوعية – مهمة وضرورية لتحقيق إرادة املجتمع الدولي بعامة، والشعب السوري على وجه الخصوص، الذي اكتوى بنيران هذا النظام.. ولهذا ال أجد مبررا منطقيا للمخاوف التي أبداها البعض بعد الغارة األمريكية، مستذكرين في خواطرهم ما حدث في العراق الشقيق، معتمدين في ذلك على اإلشارة إلى املطامع األمريكية واإلسرائيل­ية في املنطقة، وغاب عن هؤالء أن الوجود الروسي واإليراني في املنطقة أشد خطرا، بل يكاد يكون احتالال لسورية، لتجعال منها مسرحا لحرب بالوكالة، لتنفيذ أجندتهما.. فمن املستفز جدا أن يصمت وزير خارجة روسيا الفروف عن جريمة «خان شيخون»، وال يرى فيها أي دافع لإلدانة، فيما يرى في الغارة األمريكية املستهدفة ملطار عسكري «عمال عدوانيا» على حد قوله، وال ينظر إليها كرد فعل طبيعي تجاه تلك املأساة اإلنسانية التي هزت ضمير العالم، بل هي في نظره ضربة تهدف إلى تجنيب «جبهة النصرة» الضربة.. إن مثل هذه النظرة املسقطة ملعاناة الشعب السوري، هي من فاقم األوضاع في املسرح السوري، وجعل منه ساحة لتحقيق األهــداف والغايات املشبوهة، حتى لو كان ذلك على حساب معاناة الشعب، والــحــال كـذلـك فــإن الضربة األمـريـكـ­يـة، يجب أن تجد الـدعـم والتعضيد واملـشـارك­ـة من كافة دول العالم، واملجتمع الدولي، حتى تتحقق الغاية بزوال هذا النظام الغاشم، وإعادة األمن والسالم لربوع سورية الحبيبة.. كما بادرت اململكة بذلك. وحسنا فعل النظام التركي وهو يقف مؤيدا لهذه الغارة التأديبية، على لسان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغــان الـذي وصف الغارة بأنها «رد إيجابي على جريمة حـرب»، وأنها «خطوة مهمة لضمان حماية املدنيني من الهجمات باألسلحة الكيماوية واألسلحة التقليدية، ومعاقبة الضالعني فيها».. وعلى ذات املنوال ذهب رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي في دعمه للضربة العسكرية األمريكية في سورية، مرتئيا أنها جاءت حرصا من الواليات املتحدة على منع انتشار األسلحة الكيماوية واستعمالها.. وهو املوقف نفسه الذي عبرت عنه املستشارة األملانية أنغيال ميركل، والرئيس الفرنسي فرانسوا هوالند، في بيان مشترك باإلشارة إلى أن «الرئيس السوري يتحمل وحده مسؤولية الضربة األمريكية على قاعدة الشعيرات الجوية، بعد مجزرة األسلحة الكيمياوية في خان شيخون».. ومهما يكن ضمور الصوت العربي املساند لهذه الغارة أو أي عمل عسكري يستهدف النظام السوري الغاشم، إال أن تنامي مثل هذه املواقف من قبل املجتمع الدولي ربما يكون محفزا للصوت العربي للتعبير عن موقفه بشجاعة، األمر الذي من شأنه أن يشكل صوتا دوليا محفزا إلنهاء هذه األزمة املتفاقمة على نحو يعيد ترتيب األمن والسالم في املنطقة، ويزيل عنها شبح البؤس الذي خيم عليها أمدا ليس بالقصير. ال يسعنا إال تقديم الشكر ألمريكا لتأديب هذا النظام الدموي وإشعاره أن هناك من هو أقوى منه، ونسأل الله التوفيق والعون والسداد للرئيس األمريكي ترمب بتوجيهه مثل هذه الضربات لكل إرهابيي العالم، والتي نتمنى أن ال تكون األخيرة بل تستمر إلزاحة كابوس األسد وأعوانه وأن يكون عهده عهد خير لتعود أمريكا قوة عظمى بعد أن أخذها أوباما وطوح بها بعيدًا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia