Okaz

بني روسيا وسوريا: جناس.. وجتانس!

-

بني كلمتي: روسيا وسوريا ما يعرف في البالغة العربية بـ «الجناس»، وهو أن يتشابه اللفظان في النطق، ويختلفان في املعنى، وهو - كما حدده العلماء - نوعان: تام، وهو ما اتفق فيه اللفظان في أمور أربعة هي: نوع الحروف، وشكلها، وعددها، وترتيبها، أو غير تام أو ناقص، وهو ما اختلف فيه اللفظان في واحد من األمور املتقدمة. فاملتأمل إذن في حــروف الكلمتني سيجد النوع الثاني من الجناس، فــنــوع الـــحـــر­وف واحـــــد، وشـكـلـهـا وعـــددهــ­ـا، واالخـــتـ­ــالف فــي الترتيب وحسب. أما بني الدولتني، روسيا وسوريا، فهناك تجانس وتطابق في األهداف والرؤى، بل وربما في املعتقدات لو أمعنا البحث والنظر، هذا التجانس والتطابق اتضح جليا خالل األحداث الدامية في الشقيقة سوريا على مدى السنوات السبع األخيرة، تجانس وتطابق بلغ ذروته في أن تجر روسيا قواها الجوية والبحرية والبرية لدعم سوريا لتحقيق أهداف مـحـددة: القضاء على املـعـارضـ­ة، وإضـعـاف الـقـوى السنية فـي البالد، ودعم النظام الدموي لبشار األسد. إن املــتــأم­ــل فـــي املـــوقــ­ـف الـــروســ­ـي تــجــاه ســـوريـــ­ا، لــيــس عــلــى مستوى العمليات العسكرية التي راح ضحيتها عشرات اآلالف، وتشرد بسببها املاليني في أرجاء العالم شرقا وغربا، وإنما كذلك على مستوى املواقف الدولية، ويكفى أن نعرف أن روسيا قد استخدمت خالل الفترة األخيرة حـق النقض - الفيتو - فـي منظمة األمــم املـتـحـدة، إلجـهـاض أي قرار مضاد لنظام األسد، ولو بمجرد اإلدانة، اإلدانة وحسب، ثماني مرات. وبدأ التجانس والتوافق والتطابق في آخر «فيتو» روسي في مجلس األمن، تجاه قرار دولي بالتحقيق في الجريمة البشعة التي وقعت في خان شيخون، نتيجة استخدام النظام السوري األسلحة الكيماوية ضد املدنيني، روسيا تشكك في هذا االتهام املوجه لألسد، ولو أنها كانت على يقني من براءته، لسارعت، بل ولبادرت هي وطالبت بتشكيل لجنة للتحقيق في الجريمة، لكنها تعلم سلفا أن طفلها املدلل - بشار األسد - هو املتهم األول، وروسيا ذاتها متهمة، إذ ال أعتقد أن هذه األسلحة املحرمة دولـيـا، قد قـام بتصنيعها نظام األســد - األب أو االبــن - إنما هي من واردات املصانع الروسية، ومـن ثـم فـإن تشكيل لجنة تحقيق سيكشف جرائم الطرفني. التجانس والتطابق في الفكر واملنهج والسلوك، فالتاريخ الروسي منذ أيام القيصرية، حافل باالضطهاد واملذابح التي راح ضحيتها اآلالف من األمــم والشعوب، والتاريخ يسجل لنا صفحات ســوداء في أعقاب فشل ثورة عام .م1905 ولعلنا لم ننس بعد اإلجــرام الـروسـي في أفغانستان على مـدى فترة االحـتـالل السوفيتي لهذا البلد اإلسـالمـي السني، هـذا االحـتـالل الذي نتج عنه أول التنظيمات اإلرهابية - القاعدة - التي تحولت من مقاتلة الـــروس لتحرير الــبــالد، إلــى االنـتـقـا­م مـن شـعـوب الـعـالـم لتأييدهم ملا حــدث، أو لصمتهم إزاء جـرائـم السوفيتي، ونحن نعرف أن «داعش» الـتـي يعاني منها عاملنا الـعـربـي خــالل الـسـنـوات األخــيــر­ة، ليست إال إحــدى مجموعات القاعدة، فهم «منشقو القاعدة» في الشام والعراق وغيرها، وهــذا فـي حـد ذاتــه يكشف لنا أسـبـاب بــروز ظـاهـرة اإلرهاب وتفاقمها. يا له من توافق وتطابق دموي وقذر، ألنه توافق على إبادة اآلالف من البشر الذين يختلفون في املذهب أو املعتقد، الذين يرفضون الطغيان واالستبداد. وهكذا لم يقتصر األمر على مجرد «الجناس» البالغي، بل تعداه إلى التجانس االعتقادي، والتوافق اإلجرامي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia