Okaz

الوابلي.. جرأة استثنائية إلى الرمق األخير

-

عــــــام مـــضـــى بــــا أنــــفـــ­ـاس الدكتور عـــبـــدا­لـــرحـــم­ـــن الــــوابـ­ـــلــــي، ودون أن يخطفه الغياب من ذاكرة الشغوفني بـكـتـابـا­تـه واملـنـتـم­ـني ألســلــوب­ــه، بعد أن رسـخ فيها بإرثه األدبــي الجريء وطرحه العميق الذي حرك به الساكن من القضايا واسـأل أحبار الناقدين والـــنـــ­اقـــمـــن­ي واملـــعــ­ـجـــبـــن­ي عـــلـــى حد سواء، فالقضايا التي اعتاد الوابلي إثارتها في حياته ال تحتمل التماس مـع حــدود التمييع أو الــا مباشرة، فكان نقده جريئًا إلى حد جعله أحد املؤثرين في اإلعام واملجتمع. الــوابــل­ــي الـــذي فـقـدنـاه فــي الخامس والــعــشـ­ـريــن مــن مـــارس سـنـة ،2016 كــــان قـــامـــة مـــن إعـــامـــ­هـــا فـــي مجال التأريخ والكتابة الصحفية الجريئة والـــتـــ­ألـــيـــف الـــــدرا­مـــــي مــمــن يصعب تعويضهم لجهة قول الكلمة الشفافة الــــصـــ­ـادحــــة، والـــتـــ­فـــاعـــل الــــجـــ­ـاد مع هموم املجتمع االقتصادية والسياسية واالجتماعي­ة والــثــقـ­ـافــيــة، والوقوف فــــــــي وجــــــــ­ـــه الــــتـــ­ـيــــار املــــتــ­ــشــــدد الساعي لــــفــــ­رض أجنداته الظامية العقيمة، لــــم يـــكـــن الدكتور عــــبــــ­دالــــرحـ­ـــمــــن بن مــحــمــد بـــن يوسف الوابلي (أبوجهاد) مـــــجـــ­ــرد كـــــاتــ­ـــب عــــــاد طــرق أبــــواب الصحافة الـــســـع­ـــوديـــة مــــن أجل الشهرة واالنتشار أو املــال عبر كتابة مقال هـــنـــا وعــــمـــ­ـود هناك. وإنما كـان من الذين نــذروا أنفسهم لــإصــاح واالرتــقـ­ـاء بمجتمعاتهم، وبذر بذور الفكر التنويري العقاني فيها والتصدي باملنطق والعقل ملا ال يـقـبـلـه الــعــقــ­ل فــي الــقــرن الحادي والعشرين من طروحات وآراء التيار املتشدد املتجهم. وعـــلـــى الــــرغــ­ــم مــــن نــــيــــ­ران التكفير واإللــحــ­اد الـتـي أطلقت عليه مـن كل حــدب صـــوب، واالنــتــ­قــادات الشرسة الــــتـــ­ـي وجــــهـــ­ـت إلــــيـــ­ـه عــــبــــ­ر املنابر الــديــنـ­ـيــة ووســـائــ­ـل اإلعـــــا­م القديمة منها والحديثة، إال أنه صمد وقاوم ومضى دون تراجع يسانده ويدعمه طــيــف واســــــع مــــن الجمهور الــســعــ­ودي، مــمــن وجدوا فــــــيــ­ــــه وفــــــــ­ـــي أعـــــمــ­ـــالـــــ­ه الـــــدرا­مـــــيـــ­ــة النقدية وكتاباته الصحفية لــــــــس­ــــــــان حــــــالـ­ـــــهــــ­ــم، بـــدلـــي­ـــل مـــــا أثـــــــا­ره نبأ وفاته من حزن فـــــــــ­ي صـــــفـــ­ــوفـــــه­ـــــم، ومــــــــ­ـا تــــســــ­بــــب فيه مـــن تــغــريــ­دات على مـــــــوا­قـــــــع الـــــتــ­ـــواصــــ­ـل االجـــتــ­ـمـــاعـــ­ي لـــم يحظ بها أحد قبله. نـــــشـــ­ــأتـــــه ومــــســـ­ـيــــرتــ­ــه العلمية: ولـد الوابلي بــحــي الــصــنــ­اعــيــة في مــديــنــ­ة بـــريـــد­ة بــإقــلــ­يــم الــقــصــ­يــم في العاشر من أكتوبر ،1958 ابن عائلة نالت قدرا من العلم. فوالده كان يقرأ ويكتب ويعرف شيئا من اإلنجليزية، ووالـــــد­تـــــه كـــانـــت مــغــرمــ­ة بالنشاط االجــــتـ­ـــمــــاع­ــــي ضـــمـــن دائـــــــ­ـــرة األهـــــل واألقـــــ­ارب، وأعـمـامـه كــانــوا يعملون فــي الــتــدري­ــس. ولــهــذه األســبــا­ب كان بـيـت الـعـائـلـ­ة ال يخلو مــن الصحف واملــــــ­ـجـــــــا­ت والـــــكـ­ــــتـــــ­ب الــــســـ­ـعــــوديـ­ـــة واملصرية التي فتح الوابلي عينيه عليها منذ سنواته املبكرة. وبــعــد مـــراحـــ­ل الــــدراس­ــــة االبتدائية واإلعـــدا­ديـــة والــثــان­ــويــة الــتــي أتمها جميعها فــي مسقط رأســـه ببريدة، الــتــحــ­ق بــجــامــ­عــة اإلمـــــا­م مــحــمــد بن ســـعـــود اإلســـامـ­ــيـــة بــالــقــ­صــيــم التي حــصــل مــنــهــا فـــي عــــام 1982 على درجــــة الــبــكــ­الــوريــو­س فـــي التاريخ اإلســــام­ــــي. ثـــم ذهــــب إلــــى الواليات املتحدة إلكمال تعليمه، فنال درجة املاجستير في التاريخ األوروبي من جامعة مدينة إيمبوريا الحكومية ‪Emporia State University‬ بوالية كــــانـــ­ـســــاس فـــــي الـــــغــ­ـــرب اإلمريكي األوســـــ­ط. وحـيـنـمـا عـــاد إلـــى الوطن التحق بكلية امللك خالد العسكرية بالرياض وعمل بها معيدا، قبل أن يـحـصـل مـنـهـا فــي عـــام 1997 على بعثة دراسـيـة إلـى الـواليـات املتحدة لنيل درجـــة الــدكــتـ­ـوراه، الــتــي نالها بـالـفـعـل مــن جـامـعـة شــمــال تكساس ‪University of North Texas‬ في التاريخ العسكري. لم يكتف الرجل بتلك الــدرجــا­ت الـجـامـعـ­يـة العالية، فأضاف إليها درجـة دكتوراه ثانية في التاريخ العربي، نالها هذه املرة في عام 2000 من جامعة باده األقدم «جامعة امللك سعود» بالرياض. وبسبب هذه التخصصات الـــــتــ­ـــاريــــ­ـخـــــيــ­ـــة حظي الـــوابــ­ـلـــي بعضوية عدد من الجمعيات مــــثــــ­ل: الجمعية الـــــــت­ـــــــاري­ـــــــخــ­ـــــيــــ­ـــة الــــــــ­ســــــــع­ــــــــود­يــــــــة، الــــــــ­جــــــــم­ــــــــعـ­ـــــــيــ­ــــــة الــــــتـ­ـــــاريــ­ــــخـــــ­ـيــــــة األمــــــ­ـــريـــــ­ــــكـــــ­ــــيـــــ­ــــة، جـمـعـيـة التاريخ الــــــــ­ـــــعــــ­ـــــــــس­ــــــــــ­ـــكــــــ­ـــــــري األمريكي. الـــغـــر­بـــة وعاقتها بــشــخــص­ــيــتــه خال عـــمـــلـ­ــه األكــــاد­يــــمــــ­ي فـــــــــ­ي كـــــلـــ­ــيـــــة املـــــلـ­ــــك خــالــد الـعـسـكـر­يـة بــالــريـ­ـاض: مارس الوابلي الكتابة الصحفية من خال صحيفة الوطن السعودية، وحاضر في الشؤون السياسية واالجتماعي­ة والــثــقـ­ـافــيــة، قــبــل أن يــقــتــح­ــم مجال كتابة الــدرامــ­ا التلفزيوني­ة بتأليف الـعـديـد مــن حـلـقـات مسلسل «طاش ما طــاش» للفنانني ناصر القصبي وعبدالله السدحان، ومعظم حلقات مسلسل «سيلفي» لناصر القصبي، وهما مسلسان زلزال الدنيا ووضعا الدراما السعودية على سكة االنتشار بثبات، كما هو معروف. ويــمــكــ­ن الــــقـــ­ـول إن ســــنــــ­وات دراســـــة الـــــواب­ـــــلــــ­ـي فــــــي الــــــوا­ليــــــات املتحدة منحته أشياء أخرى غير الشهادات األكــــــ­ــــاديـــ­ـــــــمــ­ــــــــيـ­ـــــــــة. فـــفـــيـ­ــهـــا تــــعــــ­ززت لـــــــــ­ـديـــــــ­ـــه بــــعــــ­ض الـــقـــي­ـــم النبيلة الـــــــت­ـــــــي رافــــــق­ــــــت شـخـصـيـتـ­ه منذ صــبــاه مــثــل قيم «الــصــدق ومحبة الــنــاس ومساعدة ذوي الـــــــح­ـــــــاجـ­ــــــة» بــــــحــ­ــــســـــ­ـب تعبير أخــــــــ­يــــــــه عـــــبـــ­ــدالـــــ­لـــــه الــــوابـ­ـــلــــي، الرئيس السابق للجمعيات السعودية التعاونية. كما أن التغرب في تلك الباد البعيدة املتقدمة في علومها وقوانينها ومظاهر حياتها الـــعـــص­ـــريـــة ســـاهـــم­ـــت فــــي احتكاكه بـــأطـــي­ـــاف مـــن الـــثـــق­ـــافـــات املختلفة، وبــــالــ­ــتــــالـ­ـــي كـــــــان لــــهــــ­ذا االحتكاك والتمازج واملعايشة دورا في تكوين شخصيته املستقلة برأيها، املعتمدة عــلــى الــعــقــ­ل فـــي تـشـخـيـص األمـــــو­ر، الــقــادر­ة عـلـى إقــنــاع اآلخـــر املختلف بـــاملـــ­نـــطـــق والـــــــ­ــحـــــــ­ــوار، ال بالشتم والتخوين والتكفير. مــعــاركـ­ـه مــع املـكـفـري­ـن واملتشددين: لـــم يــكــن غــريــبــ­ا أن يـــحـــدد الوابلي عناوين معاركه بنفسه، وأن يختار لــهــا الـــســـا­ح املــنــاس­ــب أيــضــا ممثا فـــــي الـــكـــل­ـــمـــة الـــصـــر­يـــحـــة املباشرة والعمل الــدرامــ­ي الـهـادف إلــى غرس قــيــم نـبـيـلـة مــثــل الـــوحـــ­دة الوطنية وتــــــجـ­ـــــاوز الــــصـــ­ـراعــــات الـــطـــا­ئـــفـــيـ­ــة واملذهبية والقبلية ونبذ اإلقصاء والــكــرا­هــيــة، أو الهادف إلـــى الـــدفـــ­اع عــن حقوق املـــرأة فــي وجــه التسلط الـــــذكـ­ــــوري والتهميش املـجـتـمـ­عـي، أو الساعي إلـــــــى تـــســـلـ­ــيـــط الــــضـــ­ـوء عـــلـــى أهــــــم التحديات الـــتـــي تـــواجـــ­ه املجتمع السعودي. وكــان مـن الطبيعي ملـن يحمل هكذا لواء أن يتهم بـ «الليبرالية»، التي هي مرادفة لإلحاد في عرف املتشددين والظاميني، لكن الوابلي كانت لديه شجاعة االعتراف بأنه ينتمي للتيار الليبرالي، مثلما كان يملك شجاعة انــتــقــ­اد هــــذا الــتــيــ­ار. وهـــكـــذ­ا خاض الرجل املعركة تلو املعركة من فوق صفحات الجرائد وعانى طويا من أذى ذوو القربى وأقامهم املسمومة، لكنه كــان مبتسما على الـــدوام، كما لو كان مقتنعا بأن أفكار معارضيه إلـى زوال مع مـرور األيــام، وأن الذي سيبقى هو الوطن. فقد كان مقتنعا أنه يعمل من أجل خير وطنه وأمنه وسعادة أهله وناسه، بدليل أن آخر تـــغـــري­ـــداتـــه قــبــل وفــــاتــ­ــه وردت فيه عـــبـــار­ة: «حــفــظ الــلــه وطــنــنــ­ا مـــن كل مكروه». صــــراحــ­ــة أنـــيـــق­ـــة وجــــــــ­دال راق: كان الوابلي عفيف اللسان ال يطعن فــــي ذوات مــخــالــ­فــيــه وال يجرحهم بألفاظ نابية. وبعبارة أخــرى، كان واضـــــحـ­ــــا صريحا إلــى أبـعـد الحدود مـع االلــتــز­ام بأدب الـــــجــ­ـــدال الــــراقـ­ـــي. و«كــان رحمه الله يـــدعـــو ملـــن يسيء إلــــــيـ­ـــــه بالرحمة والهداية، ويتمنى لـــه ســعــة البصيرة، مـــــــــ­رددا دعــــــــ­ـاء: اللهم اغـــفـــر لـــقـــوم­ـــي فإنهم ال يــعــلــم­ــون». غــيــر أن الطرف اآلخر ما كانت نفسه التواقة لانتقام أن تهدأ دون الـدعـاء عليه. فهذا هو منهجه املتبع مع كل مخالف له في الــرأي، إلى حد أنه ال يتردد في قول أن مرض فان أو عان من خصومه، ومــــن ثـــم وفـــاتـــ­ه هـــو بــســبــب دعائه املتواصل عليه، كما لو أن «مفاتيح املـــوت والـحـيـاة معلقة فــي بيوتهم، واملــــــ­ــرض والــــشــ­ــفــــاء فــــي جيوبهم» بـحـسـب تـعـبـيـر الزميل مــــحــــ­مــــد الــــــسـ­ـــــاعـــ­ـــد في "عكاظ" .)2016/3/28( لــــقــــ­د فــــعــــ­لــــوا ذلــــــــ­ك مع الــــراحـ­ـــل الــكــبــ­يــر غازي الــــــــ­قــــــــص­ــــــــيـ­ـــــــبــ­ــــــي ومــــــــ­ــع الــفــنــ­ان طـــال مـــداح في السعودية، ومع الدكتور أحمد الربعي والدكتور أحــــمـــ­ـد الـــــبــ­ـــغـــــد­ادي في الكويت، بل غردوا على مواقع التواصل االجتماعي شامتني فــي مــوتــهــ­م. وهــــذا مــا فـعـلـوه أيضا مع الوابلي بعد وفاته حينما أقدم داعــيــة مـتـشـدد عـلـى كـتـابـة تغريدة يدعو فيها عليه ويستنكر الترحم عليه بـدال من أن يدعو له باملغفرة، األمــــــ­ــــر الــــــــ­ــذي اســــتـــ­ـنــــكـــ­ـره مثقفون سعوديون كثر، ووصفوه بالفجور في الخصومة والتعدي على حرمة امليت. 20 مؤلفًا أرفد بها املكتبة السعودية خــــال مــســيــر­تــه الــعــمــ­لــيــة: استطاع الوابلي بما حظي به من علم واطاع أن يــرفــد املــكــتـ­ـبــة الــســعــ­وديــة بنحو 20 مـؤلـفـا فــي الــتــاري­ــخ، والسياسة، واإلرهــــ­ــــــــاب والــــتــ­ــطــــرف، واألخـــــ­ــاق والتربية، وغيرها. يشهد على ذلك عــنــاويـ­ـن مــؤلــفــ­اتــه الــتــي مــنــهــا: من أولويات النصر العسكري، األسباب في كره معارض الكتاب، لصالح من يجير التشيع العربي إليران، تسارع التصارع في سورية، نحو هيئة وطـنـيـة ملـكـافـحـ­ة التطرف واإلرهــــ­ــــــاب، الطائفية واألخاق الرياضية، ملــــــــ­ــــــــــ­ــاذا يــــنــــ­تــــصــــ­ر اإلرهـــــ­اب، صناعة االنـتـحـا­ري فـي 6 أشــهــر، االحتقان بـــــــــ­ـني الــــقـــ­ـيــــصـــ­ـر والـــــسـ­ــــلـــــ­طـــــان، ما الذي يدير عاقات الــــــقـ­ـــــوى العظمى املصالح أم األخاق، انـــــــت­ـــــــفــ­ـــــاضـــ­ــــة بــــــرغـ­ـــــم الــــــــ­ـحــــــــ­ـروب، مـــــشـــ­ــارف ربـــع الــســاعـ­ـة األخيرة فــــي ســـــوريـ­ــــة، أسباب الــــتـــ­ـدخــــل العسكري الــروســي فــي ســوريــة، منطق الوباء الـطـائـفـ­ي، الــدولــة الـعـربـيـ­ة وتهافت خطابها املــدنــي، الـثـقـافـ­ة القنفذية، الـتـطـرف وصـنـاعـة الــوهــم واألعداء، نحو سداسية خليجية للتفاهم مع إيران. «طــاش» و«سيلفي» جرعات نوعية من النقد: ساهم الوابلي في حلقات املسلسل الكوميدي الـهـادف «طاش مــا طـــاش» الــتــي بــدأ بكتابتها منذ الــجــزء الــحــادي عـشـر وحــتــى الجزء السابع عشر، وفازت إحدى حلقاتها (حلقة بــدون مـحـرم) بجائزة املركز األول، قـــبـــل أن يــنــضــم إلـــــى كتاب ومـؤلـفـي املسلسل الـكـومـيـ­دي اآلخر «ســـيـــلـ­ــفـــي»، عــلــمــا بـــــأن آخـــــر حلقة ألفها الوابلي من هذا املسلسل كانت بـعـنـوان «صـعـصـعـة». وهــي الحلقة التي أثارت إعجاب املشاهدين كثيرا ألن مشهدها الختامي تضمن قيام الـــفـــن­ـــان نــــاصـــ­ـر الـــقـــص­ـــبـــي بإطاق أسـمـاء شخصيات تنويرية محلية (مثل غازي القصيبي وعبدالرحمن الـــــواب­ـــــلــــ­ـي وطــــــــ­ـال مـــــــــ­داح ومحمد الثبيتي) على شـــوارع األحــيــا­ء عبر تــثــبــي­ــت لـــوحـــا­ت بــأســمــ­ائــهــم فيها. كــان هــذا، بطبيعة الـحـال، قبل وفاة الــــوابـ­ـــلــــي، فـــصـــار الــــيـــ­ـوم مطلبا يشدد عليه محبوه وطابه وزماؤه كنوع من الوفاء لـــشـــخـ­ــصـــه وعطائه ودوره فـــي تحريك املـــــــ­ـيــــــــ­اه الــــــــ­راكـــــــ­ـدة وتــســلــ­يــط الضوء عـــــلـــ­ــى مــــعــــ­وقــــات النهوض،وعوامل تــعــزيــ­ز املواطنة، عـلـى نـحـو مــا دعا إلـــيـــه الــكــاتـ­ـب علي الــشــريـ­ـمــي فــي مقال له بجريدة الوطن. ومما يجدر بنا ذكره هــنــا هــــو أن الوابلي لــــــــم يــــكــــ­تــــف بكتابة حــــلــــ­قــــات املسلسلني املــذكــو­ريــن فـقـط، وإنــمــا كــان لــه دور أيـضـا فــي تـقـديـم بـعـض املاحظات واملـــســ­ـاعـــدات قــبــل أو أثـــنـــا­ء العمل. فعلى سبيل املــثــال يـخـبـرنـا الفنان عبداإلله السناني، وهو أحد النجوم البارزين في حلقات طاش وسيلفي، أن الوابلي هو الذي دربه على كيفية الـتـحـدث بلهجة أهــل بـريـدة حينما تطلب أحد أدواره ذلك. كيف تلقى املثقفون خبر رحيله؟

وفــــاة الــوابــل­ــي الــتــي كــانــت طبيعية نـتـيـجـة نــوبــة قـلـبـيـة صــبــاح الجمعة ،2016/3/25 ومـواراتـه الثرى عصر الــيــوم نفسه، طــوت ســنــوات مــن عمله ومعاركه الفكرية التي جعلت مــن فــقــده خــســارة مؤملة، ســــــــا­رعــــــــ­ت مجموعة مـــــــــ­ـــــــــن مــــــــش­ــــــــاه­ــــــــيـ­ـــــــر األدبـــــ­ـــــــاء والكتاب واإلعـــــ­ـــــــامـ­ــــــــــ­ـيــــــــ­ــــني الــــســـ­ـعــــوديـ­ـــني إلى نــــعــــ­يــــه، فالكاتب خــــــلــ­ــــف الـــــحــ­ـــربـــــ­ي مـــثـــا غــــــرد قائا: «نسأل الله الرحمة واملــــغـ­ـــفــــرة للدكتور عــبــالــ­رحــمــن الوابلي، خــــــســ­ــــارتـــ­ـــنــــــ­ا بــــفــــ­قــــده عظيمة.. عقل مستنير وخـــــلــ­ـــق رفـــــيــ­ـــق وقلب أبــــيـــ­ـض، إنـــــا لــلــه وإنا إلــيــه راجـــعـــ­ون»، والــكــات­ــب األكاديمي الــدكــتـ­ـور حــمــزة قــبــان املــزيــن­ــي غرد قــــائـــ­ـا:«رحــــم الـــلـــه الـــزمـــ­يـــل الصديق الــدكــتـ­ـور عـبـدالـرح­ـمـن الــوابــل­ــي وغفر لـه وتقبله فـي جنات النعيم وأحسن عـــــزاء أســـرتـــ­ه الــكــريـ­ـمــة فــيــه وعزاءنا جميعا»، والدكتور عبدالله الغذامي كتب: «كـم من الحسنات يهدونها لك الـيـوم، ذهبت طـاهـرًا وهـم ياحقونك بسوء الظن، كأني أسمعك تقول: عفا الله عني وعنهم، عليك رحـمـات ربك ورضــاه»، والكاتب توفيق سيف قال: «خسرنا داعية إصاح صادقا شجاعا محبا عفيف النفس واللسان، عوضه الله خيرا وعوض أهله صبرا وأجرا»، وغرد الدكتور سليمان الهتان قائا: «الوابلي كـان صوتا وطنيا مهموما بقضايا مجتمعه، جريئا في أفكاره ومـــــقــ­ـــاالتـــ­ــه»، وقـــــــا­ل الــــدكــ­ــتــــور أحمد التيهاني «لم يكن عبدالرحمن الوابلي املثقف يصادر رأيًا، أو يكره املختلفني مــعــه، أو يــذكــرهـ­ـم بـــســـوء. كــــان يحب وطــنــه حــبــًا، ويــســتــ­وعــب االتجاهات كلها. كاتب ســام، لكنه لم يكن يرفع الــســام شــعــارًا مــجــردًا، وإنــمــا يفصل الــقــول فــي طــرائــق الــوصــول إلــيــه، من خال مقاالت تتسم بعمق نادر، ووعي فـــريـــد»، وغــــرد الــدكــتـ­ـور مــنــصــو­ر بن تنباك قائا: «قمت هذا الصباح نشطًا لــقــضــا­ء بــعــض الـــحـــا­جـــات، صدمني خبر وفـاة عبدالرحمن الوابلي، عدت إلى الفندق حزينًا، لرحيل رجل يحب الحياة ويحب الناس، غفر الله له». مــــاذا قـــال رفــيــقــ­ه فــي الـــذكـــ­رى األولى لوفاته؟

صــديــقــ­ه ورفـــيـــ­ق دربـــــه فـــي األعمال الدرامية ناصر القصبي، قال: مازلت غير مصدق. وأشار في الذكرى األولى لوفاته التي أقيمت في الدمام، إلى أمرين الفتني في شخصية الـوابـلـي وهــمــا« تفانيه فــــي الـــعـــم­ـــل، واصفا إيــــــــ­ـــاه بالعجيب، واآلخـــــ­ــر شجاعته في تناول ما تعد خــطــوطــ­ا حمراء، قــائــا إنـــه درامي مختلف». وامتدح الــقــصــ­بــي صفات عـــــــدة فـــــي الـــــراح­ـــــل قــائــا: إنـــه «مناضل حــــــقــ­ــــيـــــ­ـقــــــي يــــتــــ­مــــتــــ­ع بــــــصــ­ــــابــــ­ــة صـــــــاد­قـــــــة، وفــي الــوقــت نفسه هو بــســيــط لـــدرجـــ­ة أنــــك ال تـــشـــعـ­ــر بــــــوجـ­ـــــوده مع عمق فضائه الفكري، وكان يجمع بني العمل الـــدؤوب وإنـكـار الـــذات، وصفه الكثيرون بـاملـرونـ­ة، وأنــا أصـفـه بأنه أكثر من مرن، ألن ما كان يريحه إال أن يكون العمل متفقا عليه ومتقنا، لقد كـان فقده خسارة ليس للدراما فقط، بـــل خـــســـار­ة لــلــصــح­ــافــة والباحثني، وخسارة للوطن كله». كـــامـــه األخــــيـ­ـــر عــشــيــة رحـــيـــل­ـــه ومن غــرائــب الــقــدر أن الــوابــل­ــي، الـــذي كان مـقـا فــي الـظـهـور فــي وســائــل اإلعام املــــرئـ­ـــيــــة، أجـــــــر­ى قـــبـــل وفــــاتــ­ــه بأربع وعشرين ساعة حــوارا تلفزيونيا مع اإلعامي الصديق سلطان القحطاني. حيث حل ضيفا على األخير فــــي بـــرنـــا­مـــجـــه «حديث الــــــعـ­ـــــمــــ­ــر» مــــــــن قــــنــــ­اة روتــــــا­نــــــا خليجية. فـــــي هـــــــذا الـــــحــ­ـــوار تـــــــطـ­ــــــرق الـــــــر­احـــــــل إلــــــــ­ـــى مـــــواضـ­ــــيـــــ­ع كثيرة بصراحته وجرأته املعهودة. فــــأشـــ­ـار مـــثـــا إلى أن لاقتصاد دورا كـــــبـــ­ــيـــــرا فــــــــي جعل املــــجــ­ــتــــمــ­ــع محافظا مــن عــدمــه، مضيفا أن االقتصاد الصحراوي يـــــــخـ­ــــــلـــ­ــــق الــــــثـ­ـــــقــــ­ــافــــــ­ة الــــصـــ­ـحــــراوي­ــــة، وهــــذه تنتج مجتمعا محافظا. لكن أبا جهاد لـم يعش لـيـرى هــذا الــحــوار ويستمع إلــــى ردود األفـــعــ­ـال عــلــيــه، مـثـلـمـا لم يعش ليشاهد عمله الدرامي الجديد املــتــمـ­ـثــل فـــي مــســلــس­ــل «العاصوف.. بيوت من طني» الـذي ينتظر أن يثير ضجة كبيرة في أوساط املجتمع عند عـرضـه قريبا ألنــه يـتـنـاول التغيرات التي طــرأت على الحياة االجتماعية والفكرية ملجتمع الــريــاض خــال 50 عــامــا مـــن خـــال رصـــد أحـــــوال عائلة سعودية (أحــد أبنائها الفنان ناصر الـــقـــص­ـــبـــي) تــعــيــش فــــي أحـــــد أحياء الــعــاصـ­ـمــة مــنــذ الــســتــ­يــنــات، ومـــــرور­ا بــمــرحــ­لــة الـــطـــف­ـــرة الــنــفــ­طــيــة املزلزلة فــي الـسـبـعـي­ـنـات فـحـقـبـة الــجــهــ­اد في أفغانستان فـي الثمانينات فالحقبة املعروفة بـ «الصحوة اإلسامية» في التسعينات ومابعدها.

 ??  ?? عبدالرحمن الوابلي
عبدالرحمن الوابلي
 ??  ?? طالل مداح
طالل مداح
 ??  ?? محمد الثبيتي
محمد الثبيتي
 ??  ?? غازي القصيبي
غازي القصيبي
 ??  ?? عبداهلل الوابلي
عبداهلل الوابلي
 ??  ?? ناصر القصبي
ناصر القصبي
 ??  ?? قراءة: د. عبداهلل المدني
قراءة: د. عبداهلل المدني

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia