الوابلي.. جرأة استثنائية إلى الرمق األخير
عــــــام مـــضـــى بــــا أنــــفــــاس الدكتور عـــبـــدالـــرحـــمـــن الــــوابــــلــــي، ودون أن يخطفه الغياب من ذاكرة الشغوفني بـكـتـابـاتـه واملـنـتـمـني ألســلــوبــه، بعد أن رسـخ فيها بإرثه األدبــي الجريء وطرحه العميق الذي حرك به الساكن من القضايا واسـأل أحبار الناقدين والـــنـــاقـــمـــني واملـــعـــجـــبـــني عـــلـــى حد سواء، فالقضايا التي اعتاد الوابلي إثارتها في حياته ال تحتمل التماس مـع حــدود التمييع أو الــا مباشرة، فكان نقده جريئًا إلى حد جعله أحد املؤثرين في اإلعام واملجتمع. الــوابــلــي الـــذي فـقـدنـاه فــي الخامس والــعــشــريــن مــن مـــارس سـنـة ،2016 كــــان قـــامـــة مـــن إعـــامـــهـــا فـــي مجال التأريخ والكتابة الصحفية الجريئة والـــتـــألـــيـــف الـــــدرامـــــي مــمــن يصعب تعويضهم لجهة قول الكلمة الشفافة الــــصــــادحــــة، والـــتـــفـــاعـــل الــــجــــاد مع هموم املجتمع االقتصادية والسياسية واالجتماعية والــثــقــافــيــة، والوقوف فــــــــي وجـــــــــــه الــــتــــيــــار املــــتــــشــــدد الساعي لــــفــــرض أجنداته الظامية العقيمة، لــــم يـــكـــن الدكتور عــــبــــدالــــرحــــمــــن بن مــحــمــد بـــن يوسف الوابلي (أبوجهاد) مـــــجـــــرد كـــــاتـــــب عــــــاد طــرق أبــــواب الصحافة الـــســـعـــوديـــة مــــن أجل الشهرة واالنتشار أو املــال عبر كتابة مقال هـــنـــا وعــــمــــود هناك. وإنما كـان من الذين نــذروا أنفسهم لــإصــاح واالرتــقــاء بمجتمعاتهم، وبذر بذور الفكر التنويري العقاني فيها والتصدي باملنطق والعقل ملا ال يـقـبـلـه الــعــقــل فــي الــقــرن الحادي والعشرين من طروحات وآراء التيار املتشدد املتجهم. وعـــلـــى الــــرغــــم مــــن نــــيــــران التكفير واإللــحــاد الـتـي أطلقت عليه مـن كل حــدب صـــوب، واالنــتــقــادات الشرسة الــــتــــي وجــــهــــت إلــــيــــه عــــبــــر املنابر الــديــنــيــة ووســـائـــل اإلعـــــام القديمة منها والحديثة، إال أنه صمد وقاوم ومضى دون تراجع يسانده ويدعمه طــيــف واســــــع مــــن الجمهور الــســعــودي، مــمــن وجدوا فــــــيــــــه وفـــــــــــي أعـــــمـــــالـــــه الـــــدرامـــــيـــــة النقدية وكتاباته الصحفية لــــــــســــــــان حــــــالــــــهــــــم، بـــدلـــيـــل مـــــا أثـــــــاره نبأ وفاته من حزن فـــــــــي صـــــفـــــوفـــــهـــــم، ومـــــــــا تــــســــبــــب فيه مـــن تــغــريــدات على مـــــــواقـــــــع الـــــتـــــواصـــــل االجـــتـــمـــاعـــي لـــم يحظ بها أحد قبله. نـــــشـــــأتـــــه ومــــســــيــــرتــــه العلمية: ولـد الوابلي بــحــي الــصــنــاعــيــة في مــديــنــة بـــريـــدة بــإقــلــيــم الــقــصــيــم في العاشر من أكتوبر ،1958 ابن عائلة نالت قدرا من العلم. فوالده كان يقرأ ويكتب ويعرف شيئا من اإلنجليزية، ووالـــــدتـــــه كـــانـــت مــغــرمــة بالنشاط االجــــتــــمــــاعــــي ضـــمـــن دائــــــــــرة األهـــــل واألقـــــارب، وأعـمـامـه كــانــوا يعملون فــي الــتــدريــس. ولــهــذه األســبــاب كان بـيـت الـعـائـلـة ال يخلو مــن الصحف واملـــــــجـــــــات والـــــكـــــتـــــب الــــســــعــــوديــــة واملصرية التي فتح الوابلي عينيه عليها منذ سنواته املبكرة. وبــعــد مـــراحـــل الــــدراســــة االبتدائية واإلعـــداديـــة والــثــانــويــة الــتــي أتمها جميعها فــي مسقط رأســـه ببريدة، الــتــحــق بــجــامــعــة اإلمـــــام مــحــمــد بن ســـعـــود اإلســـامـــيـــة بــالــقــصــيــم التي حــصــل مــنــهــا فـــي عــــام 1982 على درجــــة الــبــكــالــوريــوس فـــي التاريخ اإلســــامــــي. ثـــم ذهــــب إلــــى الواليات املتحدة إلكمال تعليمه، فنال درجة املاجستير في التاريخ األوروبي من جامعة مدينة إيمبوريا الحكومية Emporia State University بوالية كــــانــــســــاس فـــــي الـــــغـــــرب اإلمريكي األوســـــط. وحـيـنـمـا عـــاد إلـــى الوطن التحق بكلية امللك خالد العسكرية بالرياض وعمل بها معيدا، قبل أن يـحـصـل مـنـهـا فــي عـــام 1997 على بعثة دراسـيـة إلـى الـواليـات املتحدة لنيل درجـــة الــدكــتــوراه، الــتــي نالها بـالـفـعـل مــن جـامـعـة شــمــال تكساس University of North Texas في التاريخ العسكري. لم يكتف الرجل بتلك الــدرجــات الـجـامـعـيـة العالية، فأضاف إليها درجـة دكتوراه ثانية في التاريخ العربي، نالها هذه املرة في عام 2000 من جامعة باده األقدم «جامعة امللك سعود» بالرياض. وبسبب هذه التخصصات الـــــتـــــاريـــــخـــــيـــــة حظي الـــوابـــلـــي بعضوية عدد من الجمعيات مــــثــــل: الجمعية الـــــــتـــــــاريـــــــخـــــــيـــــــة الــــــــســــــــعــــــــوديــــــــة، الــــــــجــــــــمــــــــعــــــــيــــــــة الــــــتــــــاريــــــخــــــيــــــة األمـــــــــريـــــــــكـــــــــيـــــــــة، جـمـعـيـة التاريخ الـــــــــــــعـــــــــــــســـــــــــــكـــــــــــــري األمريكي. الـــغـــربـــة وعاقتها بــشــخــصــيــتــه خال عـــمـــلـــه األكــــاديــــمــــي فـــــــــي كـــــلـــــيـــــة املـــــلـــــك خــالــد الـعـسـكـريـة بــالــريــاض: مارس الوابلي الكتابة الصحفية من خال صحيفة الوطن السعودية، وحاضر في الشؤون السياسية واالجتماعية والــثــقــافــيــة، قــبــل أن يــقــتــحــم مجال كتابة الــدرامــا التلفزيونية بتأليف الـعـديـد مــن حـلـقـات مسلسل «طاش ما طــاش» للفنانني ناصر القصبي وعبدالله السدحان، ومعظم حلقات مسلسل «سيلفي» لناصر القصبي، وهما مسلسان زلزال الدنيا ووضعا الدراما السعودية على سكة االنتشار بثبات، كما هو معروف. ويــمــكــن الــــقــــول إن ســــنــــوات دراســـــة الـــــوابـــــلـــــي فــــــي الــــــواليــــــات املتحدة منحته أشياء أخرى غير الشهادات األكــــــــــاديــــــــــمــــــــــيــــــــــة. فـــفـــيـــهـــا تــــعــــززت لــــــــــديــــــــــه بــــعــــض الـــقـــيـــم النبيلة الـــــــتـــــــي رافــــــقــــــت شـخـصـيـتـه منذ صــبــاه مــثــل قيم «الــصــدق ومحبة الــنــاس ومساعدة ذوي الـــــــحـــــــاجـــــــة» بــــــحــــــســــــب تعبير أخــــــــيــــــــه عـــــبـــــدالـــــلـــــه الــــوابــــلــــي، الرئيس السابق للجمعيات السعودية التعاونية. كما أن التغرب في تلك الباد البعيدة املتقدمة في علومها وقوانينها ومظاهر حياتها الـــعـــصـــريـــة ســـاهـــمـــت فــــي احتكاكه بـــأطـــيـــاف مـــن الـــثـــقـــافـــات املختلفة، وبــــالــــتــــالــــي كـــــــان لــــهــــذا االحتكاك والتمازج واملعايشة دورا في تكوين شخصيته املستقلة برأيها، املعتمدة عــلــى الــعــقــل فـــي تـشـخـيـص األمـــــور، الــقــادرة عـلـى إقــنــاع اآلخـــر املختلف بـــاملـــنـــطـــق والـــــــــحـــــــــوار، ال بالشتم والتخوين والتكفير. مــعــاركــه مــع املـكـفـريـن واملتشددين: لـــم يــكــن غــريــبــا أن يـــحـــدد الوابلي عناوين معاركه بنفسه، وأن يختار لــهــا الـــســـاح املــنــاســب أيــضــا ممثا فـــــي الـــكـــلـــمـــة الـــصـــريـــحـــة املباشرة والعمل الــدرامــي الـهـادف إلــى غرس قــيــم نـبـيـلـة مــثــل الـــوحـــدة الوطنية وتــــــجــــــاوز الــــصــــراعــــات الـــطـــائـــفـــيـــة واملذهبية والقبلية ونبذ اإلقصاء والــكــراهــيــة، أو الهادف إلـــى الـــدفـــاع عــن حقوق املـــرأة فــي وجــه التسلط الـــــذكـــــوري والتهميش املـجـتـمـعـي، أو الساعي إلـــــــى تـــســـلـــيـــط الــــضــــوء عـــلـــى أهــــــم التحديات الـــتـــي تـــواجـــه املجتمع السعودي. وكــان مـن الطبيعي ملـن يحمل هكذا لواء أن يتهم بـ «الليبرالية»، التي هي مرادفة لإلحاد في عرف املتشددين والظاميني، لكن الوابلي كانت لديه شجاعة االعتراف بأنه ينتمي للتيار الليبرالي، مثلما كان يملك شجاعة انــتــقــاد هــــذا الــتــيــار. وهـــكـــذا خاض الرجل املعركة تلو املعركة من فوق صفحات الجرائد وعانى طويا من أذى ذوو القربى وأقامهم املسمومة، لكنه كــان مبتسما على الـــدوام، كما لو كان مقتنعا بأن أفكار معارضيه إلـى زوال مع مـرور األيــام، وأن الذي سيبقى هو الوطن. فقد كان مقتنعا أنه يعمل من أجل خير وطنه وأمنه وسعادة أهله وناسه، بدليل أن آخر تـــغـــريـــداتـــه قــبــل وفــــاتــــه وردت فيه عـــبـــارة: «حــفــظ الــلــه وطــنــنــا مـــن كل مكروه». صــــراحــــة أنـــيـــقـــة وجــــــــدال راق: كان الوابلي عفيف اللسان ال يطعن فــــي ذوات مــخــالــفــيــه وال يجرحهم بألفاظ نابية. وبعبارة أخــرى، كان واضـــــحـــــا صريحا إلــى أبـعـد الحدود مـع االلــتــزام بأدب الـــــجـــــدال الــــراقــــي. و«كــان رحمه الله يـــدعـــو ملـــن يسيء إلــــــيــــــه بالرحمة والهداية، ويتمنى لـــه ســعــة البصيرة، مـــــــــرددا دعـــــــــاء: اللهم اغـــفـــر لـــقـــومـــي فإنهم ال يــعــلــمــون». غــيــر أن الطرف اآلخر ما كانت نفسه التواقة لانتقام أن تهدأ دون الـدعـاء عليه. فهذا هو منهجه املتبع مع كل مخالف له في الــرأي، إلى حد أنه ال يتردد في قول أن مرض فان أو عان من خصومه، ومــــن ثـــم وفـــاتـــه هـــو بــســبــب دعائه املتواصل عليه، كما لو أن «مفاتيح املـــوت والـحـيـاة معلقة فــي بيوتهم، واملــــــــرض والــــشــــفــــاء فــــي جيوبهم» بـحـسـب تـعـبـيـر الزميل مــــحــــمــــد الــــــســــــاعــــــد في "عكاظ" .)2016/3/28( لــــقــــد فــــعــــلــــوا ذلــــــــك مع الــــراحــــل الــكــبــيــر غازي الــــــــقــــــــصــــــــيــــــــبــــــــي ومــــــــــع الــفــنــان طـــال مـــداح في السعودية، ومع الدكتور أحمد الربعي والدكتور أحــــمــــد الـــــبـــــغـــــدادي في الكويت، بل غردوا على مواقع التواصل االجتماعي شامتني فــي مــوتــهــم. وهــــذا مــا فـعـلـوه أيضا مع الوابلي بعد وفاته حينما أقدم داعــيــة مـتـشـدد عـلـى كـتـابـة تغريدة يدعو فيها عليه ويستنكر الترحم عليه بـدال من أن يدعو له باملغفرة، األمــــــــــر الــــــــــذي اســــتــــنــــكــــره مثقفون سعوديون كثر، ووصفوه بالفجور في الخصومة والتعدي على حرمة امليت. 20 مؤلفًا أرفد بها املكتبة السعودية خــــال مــســيــرتــه الــعــمــلــيــة: استطاع الوابلي بما حظي به من علم واطاع أن يــرفــد املــكــتــبــة الــســعــوديــة بنحو 20 مـؤلـفـا فــي الــتــاريــخ، والسياسة، واإلرهــــــــــــاب والــــتــــطــــرف، واألخـــــــاق والتربية، وغيرها. يشهد على ذلك عــنــاويــن مــؤلــفــاتــه الــتــي مــنــهــا: من أولويات النصر العسكري، األسباب في كره معارض الكتاب، لصالح من يجير التشيع العربي إليران، تسارع التصارع في سورية، نحو هيئة وطـنـيـة ملـكـافـحـة التطرف واإلرهــــــــــاب، الطائفية واألخاق الرياضية، ملــــــــــــــــــــاذا يــــنــــتــــصــــر اإلرهـــــاب، صناعة االنـتـحـاري فـي 6 أشــهــر، االحتقان بــــــــــني الــــقــــيــــصــــر والـــــســـــلـــــطـــــان، ما الذي يدير عاقات الــــــقــــــوى العظمى املصالح أم األخاق، انـــــــتـــــــفـــــــاضـــــــة بــــــرغــــــم الـــــــــحـــــــــروب، مـــــشـــــارف ربـــع الــســاعــة األخيرة فــــي ســـــوريـــــة، أسباب الــــتــــدخــــل العسكري الــروســي فــي ســوريــة، منطق الوباء الـطـائـفـي، الــدولــة الـعـربـيـة وتهافت خطابها املــدنــي، الـثـقـافـة القنفذية، الـتـطـرف وصـنـاعـة الــوهــم واألعداء، نحو سداسية خليجية للتفاهم مع إيران. «طــاش» و«سيلفي» جرعات نوعية من النقد: ساهم الوابلي في حلقات املسلسل الكوميدي الـهـادف «طاش مــا طـــاش» الــتــي بــدأ بكتابتها منذ الــجــزء الــحــادي عـشـر وحــتــى الجزء السابع عشر، وفازت إحدى حلقاتها (حلقة بــدون مـحـرم) بجائزة املركز األول، قـــبـــل أن يــنــضــم إلـــــى كتاب ومـؤلـفـي املسلسل الـكـومـيـدي اآلخر «ســـيـــلـــفـــي»، عــلــمــا بـــــأن آخـــــر حلقة ألفها الوابلي من هذا املسلسل كانت بـعـنـوان «صـعـصـعـة». وهــي الحلقة التي أثارت إعجاب املشاهدين كثيرا ألن مشهدها الختامي تضمن قيام الـــفـــنـــان نــــاصــــر الـــقـــصـــبـــي بإطاق أسـمـاء شخصيات تنويرية محلية (مثل غازي القصيبي وعبدالرحمن الـــــوابـــــلـــــي وطـــــــــال مـــــــــداح ومحمد الثبيتي) على شـــوارع األحــيــاء عبر تــثــبــيــت لـــوحـــات بــأســمــائــهــم فيها. كــان هــذا، بطبيعة الـحـال، قبل وفاة الــــوابــــلــــي، فـــصـــار الــــيــــوم مطلبا يشدد عليه محبوه وطابه وزماؤه كنوع من الوفاء لـــشـــخـــصـــه وعطائه ودوره فـــي تحريك املــــــــيــــــــاه الــــــــراكــــــــدة وتــســلــيــط الضوء عـــــلـــــى مــــعــــوقــــات النهوض،وعوامل تــعــزيــز املواطنة، عـلـى نـحـو مــا دعا إلـــيـــه الــكــاتــب علي الــشــريــمــي فــي مقال له بجريدة الوطن. ومما يجدر بنا ذكره هــنــا هــــو أن الوابلي لــــــــم يــــكــــتــــف بكتابة حــــلــــقــــات املسلسلني املــذكــوريــن فـقـط، وإنــمــا كــان لــه دور أيـضـا فــي تـقـديـم بـعـض املاحظات واملـــســـاعـــدات قــبــل أو أثـــنـــاء العمل. فعلى سبيل املــثــال يـخـبـرنـا الفنان عبداإلله السناني، وهو أحد النجوم البارزين في حلقات طاش وسيلفي، أن الوابلي هو الذي دربه على كيفية الـتـحـدث بلهجة أهــل بـريـدة حينما تطلب أحد أدواره ذلك. كيف تلقى املثقفون خبر رحيله؟
وفــــاة الــوابــلــي الــتــي كــانــت طبيعية نـتـيـجـة نــوبــة قـلـبـيـة صــبــاح الجمعة ،2016/3/25 ومـواراتـه الثرى عصر الــيــوم نفسه، طــوت ســنــوات مــن عمله ومعاركه الفكرية التي جعلت مــن فــقــده خــســارة مؤملة، ســــــــارعــــــــت مجموعة مــــــــــــــــــن مــــــــشــــــــاهــــــــيــــــــر األدبــــــــــــاء والكتاب واإلعــــــــــــامــــــــــــيــــــــــــني الــــســــعــــوديــــني إلى نــــعــــيــــه، فالكاتب خــــــلــــــف الـــــحـــــربـــــي مـــثـــا غــــــرد قائا: «نسأل الله الرحمة واملــــغــــفــــرة للدكتور عــبــالــرحــمــن الوابلي، خــــــســــــارتــــــنــــــا بــــفــــقــــده عظيمة.. عقل مستنير وخـــــلـــــق رفـــــيـــــق وقلب أبــــيــــض، إنـــــا لــلــه وإنا إلــيــه راجـــعـــون»، والــكــاتــب األكاديمي الــدكــتــور حــمــزة قــبــان املــزيــنــي غرد قــــائــــا:«رحــــم الـــلـــه الـــزمـــيـــل الصديق الــدكــتــور عـبـدالـرحـمـن الــوابــلــي وغفر لـه وتقبله فـي جنات النعيم وأحسن عـــــزاء أســـرتـــه الــكــريــمــة فــيــه وعزاءنا جميعا»، والدكتور عبدالله الغذامي كتب: «كـم من الحسنات يهدونها لك الـيـوم، ذهبت طـاهـرًا وهـم ياحقونك بسوء الظن، كأني أسمعك تقول: عفا الله عني وعنهم، عليك رحـمـات ربك ورضــاه»، والكاتب توفيق سيف قال: «خسرنا داعية إصاح صادقا شجاعا محبا عفيف النفس واللسان، عوضه الله خيرا وعوض أهله صبرا وأجرا»، وغرد الدكتور سليمان الهتان قائا: «الوابلي كـان صوتا وطنيا مهموما بقضايا مجتمعه، جريئا في أفكاره ومـــــقـــــاالتـــــه»، وقـــــــال الــــدكــــتــــور أحمد التيهاني «لم يكن عبدالرحمن الوابلي املثقف يصادر رأيًا، أو يكره املختلفني مــعــه، أو يــذكــرهــم بـــســـوء. كــــان يحب وطــنــه حــبــًا، ويــســتــوعــب االتجاهات كلها. كاتب ســام، لكنه لم يكن يرفع الــســام شــعــارًا مــجــردًا، وإنــمــا يفصل الــقــول فــي طــرائــق الــوصــول إلــيــه، من خال مقاالت تتسم بعمق نادر، ووعي فـــريـــد»، وغــــرد الــدكــتــور مــنــصــور بن تنباك قائا: «قمت هذا الصباح نشطًا لــقــضــاء بــعــض الـــحـــاجـــات، صدمني خبر وفـاة عبدالرحمن الوابلي، عدت إلى الفندق حزينًا، لرحيل رجل يحب الحياة ويحب الناس، غفر الله له». مــــاذا قـــال رفــيــقــه فــي الـــذكـــرى األولى لوفاته؟
صــديــقــه ورفـــيـــق دربـــــه فـــي األعمال الدرامية ناصر القصبي، قال: مازلت غير مصدق. وأشار في الذكرى األولى لوفاته التي أقيمت في الدمام، إلى أمرين الفتني في شخصية الـوابـلـي وهــمــا« تفانيه فــــي الـــعـــمـــل، واصفا إيـــــــــــاه بالعجيب، واآلخـــــــر شجاعته في تناول ما تعد خــطــوطــا حمراء، قــائــا إنـــه درامي مختلف». وامتدح الــقــصــبــي صفات عـــــــدة فـــــي الـــــراحـــــل قــائــا: إنـــه «مناضل حــــــقــــــيــــــقــــــي يــــتــــمــــتــــع بــــــصــــــابــــــة صـــــــادقـــــــة، وفــي الــوقــت نفسه هو بــســيــط لـــدرجـــة أنــــك ال تـــشـــعـــر بــــــوجــــــوده مع عمق فضائه الفكري، وكان يجمع بني العمل الـــدؤوب وإنـكـار الـــذات، وصفه الكثيرون بـاملـرونـة، وأنــا أصـفـه بأنه أكثر من مرن، ألن ما كان يريحه إال أن يكون العمل متفقا عليه ومتقنا، لقد كـان فقده خسارة ليس للدراما فقط، بـــل خـــســـارة لــلــصــحــافــة والباحثني، وخسارة للوطن كله». كـــامـــه األخــــيــــر عــشــيــة رحـــيـــلـــه ومن غــرائــب الــقــدر أن الــوابــلــي، الـــذي كان مـقـا فــي الـظـهـور فــي وســائــل اإلعام املــــرئــــيــــة، أجـــــــرى قـــبـــل وفــــاتــــه بأربع وعشرين ساعة حــوارا تلفزيونيا مع اإلعامي الصديق سلطان القحطاني. حيث حل ضيفا على األخير فــــي بـــرنـــامـــجـــه «حديث الــــــعــــــمــــــر» مــــــــن قــــنــــاة روتــــــانــــــا خليجية. فـــــي هـــــــذا الـــــحـــــوار تـــــــطـــــــرق الـــــــراحـــــــل إلـــــــــــى مـــــواضـــــيـــــع كثيرة بصراحته وجرأته املعهودة. فــــأشــــار مـــثـــا إلى أن لاقتصاد دورا كـــــبـــــيـــــرا فــــــــي جعل املــــجــــتــــمــــع محافظا مــن عــدمــه، مضيفا أن االقتصاد الصحراوي يـــــــخـــــــلـــــــق الــــــثــــــقــــــافــــــة الــــصــــحــــراويــــة، وهــــذه تنتج مجتمعا محافظا. لكن أبا جهاد لـم يعش لـيـرى هــذا الــحــوار ويستمع إلــــى ردود األفـــعـــال عــلــيــه، مـثـلـمـا لم يعش ليشاهد عمله الدرامي الجديد املــتــمــثــل فـــي مــســلــســل «العاصوف.. بيوت من طني» الـذي ينتظر أن يثير ضجة كبيرة في أوساط املجتمع عند عـرضـه قريبا ألنــه يـتـنـاول التغيرات التي طــرأت على الحياة االجتماعية والفكرية ملجتمع الــريــاض خــال 50 عــامــا مـــن خـــال رصـــد أحـــــوال عائلة سعودية (أحــد أبنائها الفنان ناصر الـــقـــصـــبـــي) تــعــيــش فــــي أحـــــد أحياء الــعــاصــمــة مــنــذ الــســتــيــنــات، ومـــــرورا بــمــرحــلــة الـــطـــفـــرة الــنــفــطــيــة املزلزلة فــي الـسـبـعـيـنـات فـحـقـبـة الــجــهــاد في أفغانستان فـي الثمانينات فالحقبة املعروفة بـ «الصحوة اإلسامية» في التسعينات ومابعدها.