تقنيات ووسائل التضليل االجتماعي
ال أحد يشك في حجم التأثير الطاغي لوسائل التواصل االجتماعي الحديثة على الـــرأي الـعـام فـي ظـل قـدرتـهـا الهائلة على االنـتـشـار، ولـكـن هــذه األدوات الرقمية اختلط فيها الصالح بالطالح؛ ألنها ساحة مفتوحة للجميع يشاركون من خاللها بآرائهم وطروحاتهم دون انتقاء أو تصنيف أو أي حواجز لتنقيح هذه اآلراء، وفـي ظل هـذه التكنولوجيا لم تعد النخب وال وسائل اإلعــالم وحدها تمارس دورهــا في صياغة الـرأي العام وتشكيله والتأثير فيه، بل أصبحت هناك ندية في أداء هذا الـدور مع الجمهور والعوام، وبالتالي أصبح حجم تأثير طروحات بعض األفراد وردود األفعال حول آرائـهـم يضاهي مـا تطرحه الصحف والـقـنـوات اإلعـالمـيـة، وقد تجد أن الحساب الرسمي لوزارة الصحة في «تويتر» وما تطرحه من معلومات ونصائح وتوضيحات ال يــوازي حساب «دجال» يدعي عالج شتى األمراض املستعصية دون أي ترخيص رسمي بمزاولة املهنة، وقــد تجد أن آراء العلماء والفقهاء فـي املسائل الدينية والفقهية ال تطغى على تأثير آراء بعض املتطرفني فكريًا ودينيًا، في هذه الوسائل قد تجد أن بعض البسطاء والدهماء أصبحوا مؤثرين في الـرأي العام فعال، وهنا نحن أمـام مشكلة متفاقمة بحاجة إلى عالج. ومــن النماذج الحية على املشكالت املتناسلة التي ولدتها اآلراء السطحية والسلبية في وسائل التواصل وتشويشها على الـرأي العام، هي اآلراء والحمالت التي تقف حاليًا ضد مــشــروع مـديـنـة «الــقــديــة» االسـتـثـمـاري الـضـخـم الـــذي أعـلـن عـنـه أخــيــرًا، وتـشـيـر التقديرات األولية إلى أنه سيولد قرابة نصف مليون وظيفة وعوائد ربحية باملليارات لدعم االقتصاد الوطني، فبعض الناشطني في وسائل التواصل أنشأوا أكثر من هاشتاق للمطالبة بإيقاف هذا املشروع وإعطاء األولوية ملشاريع اإلسكان، ومن انجرف خلف هذه الطروحات املسمومة يظن عن جهل بأن على الدولة أن تتوقف عن أي مشاريع استثمارية وتنموية وتركز على توفير السكن للمواطن أوال، ومـن يـروج ملثل هـذه اآلراء إمـا أنـه يتعمد خلق إثــارة مفتعلة لتوجيه الرأي العام ضد هذه املشاريع وضرب مصالح الوطن والتحريض عليه، أو أنها آراء سطحية وعاطفية ال تستوعب أهمية هذه املشاريع االستثمارية وقدرتها على تحريك عجلة االقتصاد وزيادة موارد الدخل التي تعود بالنفع على مشاريع حيوية أخرى مثل اإلسكان وإنشاء املستشفيات واملدارس وتطوير البنى التحتية وتوليد الوظائف، وال يدرك هؤالء أن الدولة لو توقفت عن مثل هذه املشاريع االستثمارية في القطاع الخاص لن تستطيع توليد الوظائف والفرص االستثمارية للشباب بما يعادل الحاجة إليها لتقليص البطالة والتي كلما زادت تتفاقم معها سلسلة من املشكالت األخرى. إن قضية وســائــل الـتـواصـل االجـتـمـاعـي وتـأثـيـراتـهـا السلبية على الـــرأي الــعــام، أصبحت وأمست أبعد من أن تكون ساحة نقاش وتبادل آراء يملك الجميع فيها حق إبداء الرأي بدون قيود، بقدر ما تحولت إلى وسائل مسمومة إما لتسطيح الرأي العام أو للترويج للتطرف والعنصرية واإلرهــاب والفنت والشائعات، كما أن هناك منظمات خــارجــيــة تـعـبـث بــهــذه الــوســائــل لـتـوجـيـه الـــــرأي الــعــام أو لخلق انطباعات عن مؤشرات الرأي العام في الفضاء السايبراني، فهذه الشبكات تعج بالحسابات الوهمية، حيث تشير الدراسات إلى أن موقع «فيسبوك» -على سبيل املثال- يحتوي على 81 مليون معرف وهمي وشبكة «تويتر» يوجد بها قرابة 48 مليون حساب وهمي، وبالتالي من الخطأ استخدام هذه الشبكات في قياس الرأي العام وال يمكن االرتهان على ذلك. وال شك أن وسائل التواصل أوجـدت إعالمًا جديدًا في الفضاء االفتراضي، وربما من أبرز إيجابياته أنــه أعـطـى مساحة مفتوحة لحرية الـــرأي والتعبير لجميع أطـيـاف ومكونات املجتمع، إال أن تجربتنا مع هذه الوسائل غير ناضجة تماما حتى اللحظة وبحاجة إلى نظام قانوني مــواز لنظام مكافحة جرائم املعلوماتية يحتوي على قواعد سلوكية تنظم اســتــخــدام هــذه الــوســائــل، فــالــرأي الــعــام فــي هــذه الــوســائــل يـــروج ألفـضـلـيـة الــعــالج بالكي والوصفات الشعبية على الذهاب لألطباء واملستشفيات، ويعتبر أن الترفيه مشروع تغريبي مدمر، وأن اإلبـل غير ناقلة لفيروس كورونا.. إلـخ، ويكفي أن من ضمن املؤثرين في الرأي العام وتشكيله في هذه الشبكات من أمثال فيحان وأبو سن وأبو جركل وأضف إليهم «مراد املصري» في ظل ثـورة االتـصـاالت التي ساهمت في تالقح األفكار مع املجتمعات األخرى والثقافات املختلفة. «أخشى اليوم الذي ستتجاوز فيه التكنولوجيا تفاعلنا البشري.. فإنه سيكون للعالم يومئذ جيل من البلهاء» - ألبرت أينشتاين