شعراء اجلنوب: العرضة أم الرقصات احلربية
أثـــــار تــصــريــح الــشــاعــر مــحــمــد عــيــضــة حــــول شــعــر العرضة الجنوبية ردود فعل واسعة؛ إذ قـال عيضة في حـوار نشرته «عكاظ» األسبوع املاضي إن «العرضة الجنوبية دخيلة على الشعر»، الفتا إلـى عـدم أحقية العرضة بالريادة وخصوصا في معقلها أو منطقتها، بل ذهب إلى أنها مارست العقوق في حق شعر النظم ولم تكن في يوم من األيام الفن الشعبي األول لدى الناس، ليأتي الرد من الشاعر واإلعالمي يوسف الزهراني قائال: «مشكلة البعض أنهم يصدرون أحكاما ويروون أحداثا ويؤلفون تواريخ ال شواهد لهم عليها، ليس لشيء في أنفسهم، بـل للخروج مـن حــرج الــســؤال، فـالـذي ال يعلمه الكثيرون أن العرضة بمفهومها العام كأم لباقي العرضات املشهودة اآلن عرفت منذ عهود أرجعها بعض املـؤرخـن إلـى عهد عــاد؛ إذ كانت مرتبطة باملعارك والحروب وميادين القتال، ما أهلها لتكون «رقصة حـرب» شكال ومضمونا، زيـًا وإيقاعا، خطوة ومفردة، يعبر من خاللها الفرسان عن سعادتهم بانتصاراتهم بعد كل معركة ومعركة في تمايل جسدي رجولي متناغم على قـرع الطبول، وظلت كذلك في عهودها األولــى محافظة على أصالتها، ومع توالد السنن وبحكم طبيعة األشياء خرجت مـن رحمها ألـــوان الـعـرضـات األخـــرى الـتـي تلونت بها حياة الناس على مر التاريخ، وشيئا فشيئا ولدت العرضة الجنوبية كغيرها من العرضات في باقي أطراف الجزيرة ودول الخليج،
ما يؤكد على أنها لم تكن يومًا دخيلة على القصيدة الشعبية، بل مكملة ومحسنة لها حن أضفت عليها شيئا من إيقاع، وحولت النص الشفاهي الشعبي إلى حركي مموسق، ما يعني أن القصيدة الشعبية هي الدخيلة على العرضة التي ولدت وترعرعت قبل ظهور اللحن في اللغة وبزوغ اللهجات. واستطرد الزهراني قائال: ومـع ذلـك أنـا مع من يرى أن العرضة في زمننا لم تعد تلك الرقصة الــتــي تــنــم عـــن الــشــجــاعــة وتـــربـــي فـــي النفس الحماسة، بعد أن طالها شيء من ميوعة، وما أخشاه عليها تحول قارعي الزير إلى طبالن، ومؤديها إلى راقصات أكثر من كونهم راقصن، وشعرائها إلى طالبي شهرة وجامعي (نقوط) ولو على حساب القصيدة وهو ما تؤكده الشواهد، في الوقت الذي من املفترض عليهم فيه دفعها خطوة لألمام بتغذيتها من ثقافتهم اإليقاعية ومفرداتهم اللغوية وخياالتهم الشعرية. من جهته، قال الشاعر والكاتب في صحيفة الوطن عبداملجيد
الزهراني: «ال يمكن بأي حال أن نخرج شعر العرضة الــجــنــوبــيــة مـــن دائـــــرة اإلبـــــــداع، أو مـــن دائرة الشعر ككل؛ ألننا بذلك نصادر أسماء كبيرة مثل ابن مصلح وابن طوير والبيضاني والغويد وعبدالواحد والشيخي وريـاض الخزمري وغيرهم الكثير، وهـذا ال يليق من زاوية إبداعية أو تاريخية». وقال عبداملجيد إن هذه األسماء وعبر أجيال مـخـتـلـفـة، قــدمــت واحــــدا مــن أصــعــب الفنون الـقـولـيـة وأكــثــرهــا تـعـقـيـدا، وهــو فــن الشقر، الــــــذي يــعــتــمــد فــــي األســــــــاس عـــلـــى الجناس اللفظي، وكذلك على الحضور الذهني اآلني في املحافل، مما يزيد من تعقيد هذا اللون وصعوبته. واستطرد قائال: كل هــذا، وعـشـرات القصائد التي تحفل بها الــذاكــرة الجمعية ألرض الـجـنـوب، تــرد على مـن يـقـول إن فن العرضة دخيل على الشعر، بل وتصمه بالجهل، مع احترامي لشخص مـن قــال بـهـذا الــقــول؛ ألنــه رأي شخصي، لكنه ليس بالضرورة أن يكون صحيحا. أمــا الشاعر واإلعــالمــي عبدالله الـخـزمـري فأكد عــدم وضوح
إجابة الشاعر مـحـمـد عـيـضـة بــقــدر وضوح السؤال قائال: ال أرى في إجابة محمد وضوحا بقدر وضـوح السؤال، وما أفهمه من سؤالك له هو شخصي باملقام األول لتحديد عالقته بفن من فنون بيئته.. فقط. أما الشعر، فمن يعطيني تعريفا له؟ ال أحد.. وال يمكن اختزاله في النصوص العمودية املستطيلة. الشعرالحقيقي اإلبداعي قد نجده في شطر واحد يأتي بما لم تأت به دواوين. أما الحديث عن املوروث من الفنون الشعبية واأللعاب والرقصات فهذا أمر ال عالقة له ال من بعيد وال قريب بالشعر وقيمته. فقد تقوم القلطة أو العرضة طوال الليل بشعراء سذج وجمهور أكثر سذاجة، إيقاعات وصخب، فقط. ومن جهة أخرى، يرى الشاعر محمد حمدان املالكي أن أنصاف الشعراء هم من يحاولون تهميش شعر العرضة، إذ تشير كثير مـن الــدالئــل إلــى أن شعر الـعـرضـة الجنوبية هـو الـفـن األكثر ممارسة فـي مجتمعات قبائل الجنوب مقابل تعاطي شعر
النظم على استحياء خالل القرنن املاضين. وأضاف: في الوقت الراهن يظهر لي أن شعر العرضة أصبح مـوازيـا لشعر النظم، بل أنـه يطغى على الــشــعــر الـــعـــمـــودي فـــي كــثــيــر مـــن املناسبات االجتماعية فـي منطقة الـجـنـوب، ويـبـدو لي أن بـعـض مـمـن يــحــاول تهميش شـعـر الشقر هم من أنصاف الشعراء االرتجالين الذين ال يستطيعون مـمـارسـتـه فــي مـحـافـل الـعـرضـة في حال احتدام الحرب الفكرية املسكوبة في قوالب شعر العرضة الفخمة واملليئة بالصور البالغية الناطقة، ولـو أن شعر الـعـرضـة مــخــدوم إعـالمـيـا كما ينبغي لتسيد شعراؤه ساحات الخليج بدون منازع، فهو أصعب فن ارتجالي عاملي. الشاعر سعيد الغامدي كــان لـه رأي مغاير عـن بقية الشعراء واإلعالمين فقد أكد أن الشعر الفصيح هو ديوان العرب، وقال: الحقيقة محمد عيضة شــاعــر بليغ ولــه نـفـس شــعــري خاص وعميق، ولكن لألسف أثبت شيئا وأنـكـر شيئا آخــر، ومــا كان ينبغي لـه أن يفعل؛ فقد أثبت أن شعر النظم هـو نـص العرب ونـص العرب هو الشعر الفصيح املقفى، وقـد أخـذ الـريـادة في العصر الجاهلي وصدر اإلسـالم، وأخي محمد خلط بن شعر الــعــرضــة وشــعــر الــنــظــم؛ فـشـعـر الــعــرضــة لـــون حــربــي حماسي يعتمد على اللهجة املحلية ويوظف في جميع املجاالت ويتميز بالشقر وهو لون مختلف عن النظم فصيحه وشعبيه. وأنــــا ال أرى لـلـتـهـمـيـش أي داع؛ فـشـعـر الــنــظــم لــه متذوقوه وشـعـراؤه، وكذلك شعرالعرضة له شعراؤه وجمهوره، ولكل منهما لونه وتركيبته وخصوصيته. وقال الشاعر خالد بن جلسة إن شعر العرضة يواجه تغييبا، آخره تغييبه عن مسابقات مهرجان اإلبل التي نظمتها دارة املــلــك عــبــدالــعــزيــز، أمـــا الــشــاعــر مـحـمـد عـيـضـة فـلـم يــوفــق في قــراءة املاضي القريب والبعيد عن شعر العرضة رغم أن ابن عيضة شاعر التوقعات لنتائج املباريات النهائية في املشهد السياسي والــذي يستطيع أن يستقرئ املستقبل لهذه اللعبة وهو ال يشجع أحـدا؛ لذلك لم يوفق في قـراءة املاضي القريب والبعيد عن شعر العرضة املوغل في عمق الجنوب منذ األزل و ال يزال. وأضـــــاف: لــم ولـــن يــكــون أي فــن يـسـتـحـدث فــي مــجــال الشعر دخيال على الشعر طاملا أنه يقام على أسس وجرس موسيقي تستطيع أن تتغنى بــه، شعر العرضة تشابهه فـي كثير من الـدول فنون بمسميات مختلفة وهو يعتبر ثقافة الكثير من األقاليم في دول عربية عدة، ال أدري من أين استمد الصديق
القريب هـذا الــرأي وهـو شاعر يحسب عليه مثل هذا الرأي. الــشــاعــر عــبــدالــرحــمــن عـــــراق خــلــص للقول إن الــعــرضــة الـجـنـوبـيـة أحـــد مـعـاقـل الشعر وفنونه األدبية ويشهد بذلك أبيات شعرائها النابضة بالحكمة والفخر واالعتزاز بالدين والــوطــن وحــكــامــه، فـضـال عــن تميز هــذا اللون األصيل بالبالغة والــوزن والقوافي الجاذبة التي تـزيـدهـا أصـــوات الــشــعــراء جـمـاال وألــقــًا مـمـا جـعـل متابعيها ومتذوقيها من مختلف أرجاء الوطن الحبيب.