ملاذا جلبت قطر «موسى كوسا» وأخفته في الدوحة؟
إذا كان كثيرون فوجئوا بحجم التورط القطري على أعلى مستوى فـي الـقـيـادة القطرية باملحاولة اآلثـمـة والفاشلة التي تبناها املقبور «القذافي» الغتيال مليكنا الراحل امللك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، والذي كشف عنه أخيرا املستشار بـالـديـوان امللكي واملـشـرف على مركز الدراسات والـشـؤون اإلعالمية سعود القحطاني، فـإن دور قطر هذا كان معروفا منذ وقت مبكر للقيادة السعودية ولعواصم أخـــرى عربية وأوروبــيــة ولـأجـهـزة االسـتـخـبـاراتـيـة التي تــابــعــت املـــلـــف مــنــذ الــلــحــظــة األولـــــــى الـــتـــي أعــلــنــت فيها السعودية الكشف عن العملية وإفشالها. لكن القيادة السعودية، والعتبارات كثيرة، ارتأت أن تغلق هـــذا املــلــف، وتـــجـــاوزت عــن املــشــاركــة الــقــطــريــة باملحاولة تغليبا للمصالح العليا لـلـدول الخليجية، تماما مثلما تــجــاوزت الحـقـا عــن قضية التسجيالت «املــعــروفــة» التي كشف عنها القذافي قبل سقوط نظامه نكاية بالقطريني، ويظهر فيها بوضوح «صارخ» حجم التآمر القطري على أمـن واستقرار السعودية، وتــورط أمير قطر السابق حمد بن خليفة في محاولة االغتيال الفاشلة التي لو كتب لها النجاح «ال سمح الله» لربما كانت سببا في انزالق بالدنا لحالة تشبه الـحـالـة الـسـوريـة والليبية اآلن وهــو الهدف الذي كان يسعى له القذافي و«الحمدين». لقد تسامت القيادة السعودية فوق األلم والجرح والصدمة التي تسبب بها انكشاف املؤامرة وتورط أمير قطر ووزير خارجيته السابقني فيها، وعالجت القضية بالكثير من الحكمة والــرويــة والـصـبـر والـتـسـامـح، وكــانــت تتوقع من قطر أن تكفر عن ذنبها بالتوقف نهائيا عن التآمر على السعودية، خصوصا بعد أن تنازل حمد بن خليفة البنه تميم بن حمد لحكم اإلمارة، وجرى تنحية رئيس الوزراء وزير الخارجية حمد بن جاسم عن منصبه وخروجه عن دائـرة صناعة القرار، لكن مع األسف أن «الحمدين» أساءا فهم التسامح والصبر السعودي، واستمرا باملشاركة في صناعة قرار الدوحة والتأثير على سياساتها وتوجهاتها املعادية للسعودية من وراء الستار.
موسى كوسا واملالذ القطري
وبالعودة لتورط أمير قطر السابق بمحاولة اغتيال امللك الــراحــل عبدالله بـن عبدالعزيز رحـمـه الـلـه، كــان الفـتـا أن قطر ســارعــت قبيل سـقـوط حكم الـقـذافـي وجلبت رئيس االســتــخــبــارات ووزيـــر الـخـارجـيـة الليبي الـسـابـق موسى كوسا الـذي ورد اسمه في اعترافات املتورطني باملحاولة الفاشلة، وقـامـت قطر بمنحه الجنسية القطرية وقصرا فخما وسط الدوحة وأغدقت عليه من النعم وعملت على إخفائه تماما عن املشهد، إذ لم يسجل له أي ظهور منذ ذلـــك الــوقــت، وهـــذا يـــدل عـلـى أن الـقـطـريـني حــرصــوا على إخفاء هذا الرجل بسبب اطالعه على كل املعلومات التي تثبت تـورطـهـم بـاملـحـاولـة، وتـحـدثـت تـقـاريـر إعـالمـيـة أن الـقـطـريـني يـفـرضـون عـلـى مــوســى كــوســا «إقــامــة جبرية» في قصره خشية أن يصل إليه أي أحـد ويستنطقه حول دور القطريني في محاولة االغتيال، إذ يعتقد القطريون أنهم بإخفاء موسى كوسا يدفنون سر تورطهم بمحاولة االغـتـيـال إلــى األبـــد، لكن فــات عليهم أن السعودية تلقت عقب سقوط نظام القذافي سيال من املعلومات حول الدور القطري باملحاولة. لقد كــان حــرص القطريني على موسى كوسا مـن بـني كل أركـــان نـظـام الــقــذافــي وجـلـبـه إلــى قـطـر حـتـى قـبـل سقوط نظام القذافي ومن ثم إخفائه مثيرا للتساؤالت عند كثير مـن املتابعني للتحركات القطرية فـي ذلــك الــوقــت، وجاء كشف املستشار سعود القحطاني عن دور قطر في محاولة اغـتـيـال الــراحــل املـلـك عبدالله بـن عبدالعزيز رحـمـه الله، ليجيب على هذه التساؤالت ويضيء على الغموض الذي أحاط بعالقة موسى كوسا بالقطريني.
ملاذا اآلن؟
قد يقول قائل إن هذا من املاضي وإن القيادة السعودية تـجـاوزت هـذه القضية وتصالحت مـع املتورطني فيها ووضعت كل تفاصيلها خلف ظهرها، فما الـداعـي من العودة لها وإعادتها للسطح اآلن؟ وفــــات مـــن يـــرى هـــذا الـــــرأي أن كــشــف تــــورط أمــيــر قطر ووزير خارجيته السابقني في عملية فاشلة الغتيال ملك السعودية تؤكد حقيقة أن الصبر السعودي على التآمر القطري كان طويال وكبيرا، وأن القيادة السعودية التي غفرت للقيادة القطرية هـذه الجريمة النكراء لم تقابل من القيادة القطرية إال بالنكران والجحود واملزيد من التآمر، وتؤكد أن قرار السعودية بمقاطعة قطر لم يتخذ إال بـعـد أن نـفـد صـبـر الـسـعـوديـة عـلـى الـعـبـث والتهور القطريني، وأنها لم تعد تقبل من قطر وقيادتها املزيد من اإليذاء واإلساءة واملمارسات العدائية.