السياسة القطرية بني هاللني

منذ قطع عالقات الـدول الخليجية الثالث عالقتها بــقــطــر بــاإلضــافــة إلــــى جــمــهــوريــة مــصــر العربية، اتسمت السياسة اإلعالمية القطرية باالرتباك، هذا يشمل قنوات اإلعالم الرسمي أو ما تنكر الدوحة أنه رسمي كقناة الجزيرة، ويمتد ذلك إلى املواقع اإللكترونية والصحف والقنوات التي تمولها قطر. لم تكن اإلجراء ات متوقعة بهذا الحزم والوضوح، ولم تكن األوراق القطرية مرتبة للتعامل مع هذا املتغير، ومع مرور األيـام حاولت السياسة اإلعالمية أن تأخذ مسارين متناقضني، ال يختلفان عن سياسة املتناقضات القطرية على أرض الــواقــع، مـن شاكلة دعم الفريق والفريق املضاد له في عدة مناطق. املــســار األول للسياسة القطرية إعـالمـيـا كــان سياسة املظلومية، وجعل قطع العالقات مسألة إنسانية بشكل مضلل، وعلى مستوى عنوان قطع العالقات، حاول اإلعالم القطري تحوير قطع العالقات لجعله حـصـارا، وهــذا املصطلح يستحث الجانب اإلنساني لدى الــغــرب، ويـحـرك مشاعر الجماهير العربية عبر محاولة إسقاط الحالة الغزاوية على قطر. وهذه اللعبة تعمد إلى تغييب وعي املتلقي عن وجود حدود بحرية وجوية مفتوحة لقطر، يستثنى منها أراضي الدول املقاطعة لقطر، ويخلق في وعي املتلقي تبريرا لتقارب إضافي بني قطر من جهة وإيــران وتركيا من جهة، ويجعل املتلقي ينسى ما أجرمه النظام اإليراني وحلفاؤه بحق املواطنني العراقيني والسوريني واللبنانيني وصوال إلى اليمنيني، وال يعود املتلقي في الحالة اإليرانية تحديدا يسأل عن تاريخ العالقات بني إيران وقطر. هــذا الـتـاريـخ مـر بشكل مباشر عبر اتفاقية أمنية فـي 2010 بني قطر وإيــران، ودعــوة الرئيس أحمدي نجاد للقمة الخليجية قبل ذلك بثالث سنوات، كما مر بشكل شبه مباشر عبر دعم حزب الله فـي حــرب 2006 وفــي توجيه ســالح الـحـزب للداخل اللبناني في ،2007 ولـحـاالت أخــرى منها التعاون مع الحوثيني لسنوات من أجل اإلخالل بأمن اململكة، مرورا بالدعم السخي مليليشيات تابعه إليران في العراق، مارست تطهيرا طائفيا ضد سنة العراق، ومثلت أيضا تهديدا ألمن السعودية. ومــن نـواحـي املظلومية االدعـــاء بجهل األســبــاب التي تقف خلف األزمة، وأن قطر دائما ما كانت ضمن املنظومة الخليجية، وسعيها لحل األزمـــة عبر السبل الـدبـلـومـاسـيـة، إلعــطــاء إيــحــاء بــأن الدول األخـــرى هـي التي تتخذ سبال غير دبلوماسية لحل األزمـــة، رغم أن أعلى درجـات املظلومية كانت بالسعي لتصوير معركة قادمة تستدعي جلب قوات من إيران أو من تركيا. على الجانب اآلخر كانت هناك مساعي استقواء متناقضة منطقيا مع فكرة املظلومية، عبر تمرير رسائل عن قوة االقتصاد القطري وضعف تأثير املقاطعة، ووجود بدائل لدى النظام القطري، وهذا صحيح جزئيا لحجم مداخيل االقـتـصـاد القطري مقارنة بعدد السكان، حيث تعد قطر أعلى دول العالم في معدل دخل الفرد، وإن كان هذا ال يعني مستوى معيشيا مرفها لجميع املواطنني، وهذا يعرفه أي زائر لقطر. محاولة فـرد العضالت كانت واضحة أيضا عبر السعي لتدويل األزمــة، والسعي إليجاد عوائد دبلوماسية لالستثمارات القطرية فـي أوروبـــا ومــع روسـيـا والــواليــات املـتـحـدة، حيث شهدنا زيارة لوزير الخارجية القطري لروسيا وأملانيا على سبيل املثال، وهي دول لـدى قطر فيها استثمارات كبرى، بينما رد وزيـر الخارجية السعودي عــادل الجبير على عــرض فرنسا للوساطة، بالقول إن هذه األزمة تحل في أروقة مجلس التعاون، وهذا مؤشر مهم على اختالف السياستني. وكـان الفتا أن من أوكلت له مهمة زيـارة الواليات املتحدة وإجراء لــقــاءات تلفزيونية والـتـواصـل مـع أعـضـاء كونجرس ومسؤولني سابقني، هو رئيس الـوزراء السابق حمد بن جاسم بن جبر، وهي داللــة واضحة أن النظام بنقله الحكم من األمير الـوالـد إلـى االبن الشيخ تميم، تغير على مستوى الشكل ولـم يتغير على مستوى النهج، ومن املعروف أن حمد بن جاسم كان مهندس مسعى تفتيت عدة دول عربية خالل الربيع العربي والسنوات التي سبقت، وخلق نفوذ لقطر يتجاوز حجمها الطبيعي، وكــان في نتيجته يحقق مصالح إسرائيل بإضعاف الدول العربية وتقسيمها. تستخدم عبارة «بني هاللني» في لهجة بعض الدول العربية داللة األمر املهم، ولذا يجب وضعه بني عالمتي تنصيص، لكن تكشف السياسة القطرية إعالميا وعلى مستوى املمارسة، بينت أن قطر تسير بــني هـــالل يــزيــن عـلـم إيــــران، وآخـــر يــزيــن عـلـم تـركـيـا، األول يستدعي املظلومية التي ذكرنا، واآلخــر يعبر عن زهو بقوة غير موجودة في واقع األمر.