نصف األحالم

ﻋﻠﻰ ﺧﻔﻴﻒ

القائد الكشفي والرائد التربوي عبدالله أحمد الناصر، صدر له كتاب يحمل عنوانا هو: «نصف األحالم»، سجل فيه ذكريات وصورًا عن نصف قرن ماض عاشه وجيله بحلوه ومره، فكان بذلك شاهدًا على عصره في مجاله، وكان الناصر يعيش في الدمام مع والده التاجر القادم من قرى الباحة، ولكن والده انكسر تجاريًا فعاد مكتئبًا إلــى الـبـاحـة، وكـانـت عـودتـه وتــرك ابـنـه وحـيـدًا إلكمال دراسته نقطة تحول أساسية في حياة االبن الذي كان يحصد أعلى الدرجات بني أقرانه في دراسته املتوسطة مــا يـؤهـلـه لــلــدراســة الـثـانـويـة والـجـامـعـيـة والحصول على أعلى الشهادات، ولكنه اضطر لالكتفاء باملرحلة املتوسطة وااللتحاق بمعهد املعلمني ملدة ثالث سنوات ليتخرج منه معلمًا فاعتبر ما تحقق له نصف أحالمه أو أقل! و(نــصــف األحــــالم) يــقــدم لــقــارئــه صـــورًا لطيفة لحياة الــنــاس الــبــســطــاء، ومـــن ذلـــك أن طـــالب الــقــرى وهـــم من الفقراء املعدمني كانوا إذا نزلوا املدن كالطائف وغيرها سكنوا في بداية األمر في املقاهي ثم استأجروا منزال شعبيًا بإيجار قـد ال يصل إلــى مائتي ريــال فـي العام الــواحــد، ولـكـنـه مبلغ ال يطيقونه مجتمعني لفقرهم واعتمادهم على أنفسهم، فكانوا يجمعونه عن طريق قيامهم بنشاط بسيط مثل بيع البليلة أو البرشومي عـلـى املــــارة بــقــروش مـعـدنـيـة، وإذا حـــان مــوعــد سداد اإليجار جــاؤوا بكيس قماش به عملة معدنية تعادل املبلغ املطلوب وقدموه للمالك الذي يصيح فيهم قائال: مــا هــذا أنـتـم شـحـاذيـن أم مستأجرين؟ وذلــك مــا خطر بباله عندما رأى كومة النقود املعدنية، ويعلق املؤلف على هــذه الــصــورة بقوله «فــي هــذه األيـــام نجد رجاال مقتدرين يماطلون ويتهربون من دفع إيجار املساكن.. وأولئك الصغار في أجسامهم الكبار بعقولهم يكدون قبل نصف قـرن ليؤدوا ما عليهم من حقوق لآلخرين فـــأيـــن هـــؤالءاملـــمـــاطـــلـــون مـــن أولـــئـــك الــصــغــار األمناء الصادقني!». ويجد قـارئ نصف األحـالم رصـدًا للحياة االجتماعية والتعليمية واإلداريـــــة والـفـنـيـة والـثـقـافـيـة فــي كــل من املنطقة الشرقية والـطـائـف والـبـاحـة ومــا حولها، وما حصل فيها مـن تــطــورات وتـغـيـرات عبر عـقـود خمسة مرت كالبرق الخاطف. وبالنسبة لحياته الكشفية فقد سمحت له بزيارة العديد مـن الــدول العربية واآلسـيـويـة والغربية مثل إسبانيا والبرتغال وجورجيا وسيرالنكا وتركيا إضافة لدول مجلس التعاون ومصر وتونس واملغرب واليمن، ولديه ذكريات ومواقف عن رحالته تلك سجلها ويأمل أن ترى النور في كتاب مطبوع قبل الرحلة األخيرة!.