ملاذا أغلقت «سعودي أوجيه» أبوابها؟
40 يوما فقط وتختفي «سعودي أوجيه» -ثاني أكــبــر شــركــة فــي الــســعــوديــة- مــن خـريـطـة قطاع األعـــمـــال بــاملــمــلــكــة، وســتــطــوي صـفـحـة طويلة اســتــمــرت 39 عـــامـــا؛ لــتــغــلــق الــشــركــة أبوابها فــي جـمـيـع املـــــدن، بــعــد أن وجــهــت خــطــابــا إلى موظفيها يؤكد أن 31/7/2017 سيكون آخر يـوم في تاريخها، بعد أن بـدأت رحلة االنهيار قبل أربعة أعوام، وماتت إكلينيكيا في أغسطس من العام املاضي. إمــبــراطــوريــة «ســعــودي أوجــيــه» الـتـي انطلقت عــــام ،1978 والمـــســـت املــجــد فـــي الثمانينات والتسعينات وبـدايـة األلفية الـجـديـدة، ووصل ربحها عام 2010 إلى أكثر من ثمانية مليارات دوالر، وعدد العاملني بها إلى 56 ألف موظف ومـهـنـدس وعــامــل، ربـمـا تـتـحـول ذات يــوم إلى مــســلــســل مـــتـــعـــدد الـــحـــلـــقـــات، وســـتـــكـــون محل دراســـات وأبـحـاث للكثير مـن االقتصاديني في السعودية والعالم العربي سنوات عدة. ويــبــقــى الـــســـؤال الــــذي تــطــرحــه «عــــكــــاظ»: ملاذا وصلت «سعودي أوجيه» إلى خط النهاية؟ هل تعطي األسباب املعلنة من تراجع أسعار النفط، وتقليص املشاريع الحكومية تفسيرا حقيقيا النــهــيــار إمـــبـــراطـــوريـــة اقــتــصــاديــة عــمــلــت في املـقـاوالت، والعقارات، واالتـصـاالت، والطباعة، وخدمات الكمبيوتر؟ هــل انـشـغـل مـسـيـرو الــشــركــة وتــركــوهــا عرضة لــلــعــواصــف؟ وهــــل لــعــبــت املــتــغــيــرات املحلية والدولية دورًا فيما وصلت إليه؟ اإلجـابـة على استفهامات «عـكـاظ» جــاءت على لسان اقتصاديني متخصصني، بينوا أن اإلدارة هي أحد أكبر املشكالت التي واجهت «سعودي أوجيه»، وتسببت في حالة االنهيار السريع، مع إغـفـال الشركة للشفافية والحوكمة منذ بداية األزمة. وفي تقرير بثته وكالة األنباء الفرنسية، اتــهــم عــمــال ومــوظــفــون بينهم فـرنـسـيـون إدارة الـــشـــركـــة بـــســـوء تــســيــيــر األمـــــــــور، وانشغالهم بالسياسة؛ األمر الذي تسبب في أزمة عاصفة في شهر أغسطس .2016 وإليكم املشهد من البداية.
انطالقة صاروخية
جـــــــاءت انـــطـــالقـــة «ســـــعـــــودي أوجـــــيـــــه» كشركة سعودية متعددة النشاطات، أسست سنة ،1978 وبــدأت كشركة مـقـاوالت وأشـغـال عـامـة، قبل أن تـطـور نشاطها ليشمل االتــصــاالت، والطباعة، والعقارات، وخدمات الكمبيوتر، وكان يمتلكها رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري، الذي نجح في آواخر سبعينات القرن العشرين بشراء «شـركـة أوجـيـه الفرنسية» ودمجها فـي شركته ليصبح اسمها «سعودي أوجيه»، وأصبحت من أكبر شركات املقاوالت في العالم العربي. واتسع نطاق أعمالها ليشمل شبكة من البنوك والــشــركــات فــي الـسـعـوديـة ولـبـنـان، إضــافــة إلى شركات للتأمني والنشر والصناعات الخفيفة، وظلت الشركة في رحلة صعود قوي حتى وصل إيرادها سنة 2010 إلى ثمانية مليارات دوالر.
رحلة الصعود
أنجزت سعودي أوجيه على مـدار أربعة عقود من الزمن مجموعة من أهم املشاريع، خصوصًا املشاريع الحكومية، كـان أبـرزهـا على اإلطالق بــنــاء مجلس الــشــورى فــي الــريــاض، والديوان املـلـكـي فــي جـــدة، والـــريـــاض، واملــديــنــة املنورة، وعملت فـي بـنـاء مجموعة كبيرة مـن الفنادق الفاخرة العاملية، واملحلية، وقصور الضيافة، وتـــولـــت بــنــاء مــركــز املــلــك عــبــدالــعــزيــز الدولي لــلــمــؤتــمــرات، ومــجــمــع املــحــاكــم الــرئــيــســي في الــريــاض، ومــركــز املــلــك عـبـدالـعـزيـز التاريخي، ومجموعة مـن املنشآت العسكرية مثل مدينة امللك عبد الله العسكرية في األحـسـاء، وقاعدة األمــيــر ســلــطــان الــجــويــة فــي الـــخـــرج، واملرافق العسكرية في معهد تبوك واملـدرعـة، وكــان لها بــاع طــويــل فــي املــــدارس والــجــامــعــات فأشرفت على بناء مــدارس الـريـاض، وجامعة امللك عبد الـلـه للعلوم والتكنولوجيا، وجـامـعـة األميرة نـــورة بـنـت عــبــدالــرحــمــن، وســاهــمــت فــي طريق امللك عبد الله بجدة، ومركز امللك عبد الله املالي ومسارات القطار الكهربائي بالرياض، وكانت املــــقــــاول الــرئــيــســي ملــجــمــع املـــلـــك فــهــد لطباعة املصحف الشريف في املدينة املنورة.
شرارة التراجع
اعتبر متخصصون أن اغتيال رئيس الحكومة الـلـبـنـانـيـة الــســابــق رفــيــق الــحــريــري فــي العام 2005 كــــان املــســمــار األول فـــي نــعــش الشركة الــعــمــالقــة، إذ تـسـلـم الـجـيـل الــجــديــد مسؤولية الشركة. وتولى قيادتها سعد الحريري رئيس الــحــكــومــة الــلــبــنــانــيــة الـــحـــالـــي، وأخـــــــوه أيمن الحريري، لكن األزمة الحقيقية بدأت قبل أربعة أعوام، وبالتحديد عام ،2013 إذ أكد مهندسون ومــوظــفــون فــي الـشـركـة فــي تـقـريـر بثته وكالة األنباء الفرنسية أن األزمـة املالية الحادة بدأت في هـذا الـعـام، لكن األمــور لم تخرج إلـى العلن بسبب تخوفات املوظفني مـن فـقـدان وظائفهم وطــردهــم، إلــى أن بــدأت الشركة تتعثر فـي دفع الــرواتــب، ووصـلـت الــرواتــب املتأخرة فـي العام املاضي 2016 إلى تسعة رواتب.
تدخل حكومي
لم تقف الحكومة السعودية مكتوفة األيدي أمام تـفـاقـم أزمـــة ســعــودي أوجــيــه، وتــدخــلــت بشكل قــوي وفــق توجيهات صــدرت لـــــ«وزارة العمل» بإيجاد حلول سريعة وعاجلة لقضية الكثير مـن العمال واملـوظـفـني، وتضمنت التوجيهات ثــالثــة خـــيـــارات هـــي: نــقــل خـــدمـــات الــعــمــال، أو تجديد اإلقـامـات مجانا، أو إعطاؤهم تأشيرة الــخــروج النهائي ملـن يـرغـب منهم فـي مغادرة السعودية. وشددت التوجيهات على أهمية حفظ الحقوق املــالــيــة ملـوظـفـي الــشــركــة كــافــة، وتـشـكـيـل لجان تباشر تنفيذ هذه التوجيهات. وبــــدأت املــحــاكــم والــجــهــات الـرسـمـيـة فــي تلقي الشكاوى التي رفعها موظفو «سعودي أوجيه» ضـــد الــشــركــة بــســبــب تــأخــر الــــرواتــــب، وبلغت الدعاوى 31 ألف دعوى؛ ما اضطر الشركة إلى إيقاف مشاريعها كافة، رغم تأكيدات رسمية أن الحكومة دفـعـت أكـثـر مــن %75 مــن مستحقات الـــشـــركـــة فـــي املـــشـــاريـــع الـــتـــي نــفــذتــهــا؛ بهدف مساعدتها على تجاوز األزمة.
بـ03 بيعأصول مليارريال
اتبعت الشركة سياسة املوت البطيء، وتخلصت خالل الشهور العشرة املاضية من نحو 40 ألف عــامــل ومــوظــف، بـعـد أن بـــدأت فــي بـيـع بعض أصولها الثابتة في السعودية التي تتجاوز 30 مليار ريال، إضافة إلى شركاتها الخارجية في أوروبا ودول الخليج. وقدر مراقبون العمالة الحالية املوجودة بأقل من %25 من قـوة الشركة التي كانت تعمل بها فـي العقود املاضية، وتمثل نسبة السعوديني نحو %23 من أصل العاملني في الشركة.