بيعة املوت
طـــرقـــات ضــيــقــة تــطــفــح بــمــيــاه الصرف الــصــحــي والـــــقـــــاذورات.. بــيــوت رمادية متهالكة.. رائحة بــارود وعفونة.. جثث قــتــلــى.. وجــــوه أنـهـكـهـا الــتـعــب واملرض والــــخــــوف وشــــــيء مــــن الــــجــــوع يحاول أصــحــابــهــا الــــفــــرار.. رصـــــاص قناصة.. صياح ديكة في غير وقتها.. هذا بعض ما يحدث، هذه األيام، في مدينة إسحاق املـوصـلـي وزريــــاب الـتـي تـطـل عـلـى نهر دجــــلــــة.. إنـــهـــا املــــوصــــل الـــقـــديـــمـــة التي تـحـصـن فـيـهـا «داعــــــش» لــتــكــون املعقل األخير بالنسبة له. مـــحـــكـــوم عـــلـــى املــــوصـــــل الــــتــــي تتمتع بمقومات عديدة وغنية أن تكون مرتعا للثورات الجائرة والغزو الفاجر. يقول املـــســـتـــشـــرق الـــفـــرنـــســـي جــــــان موريس فييه إن اسـم املوصل اسـم بابلي ينطق (مـوشـيـل) ومـعـنـاه املــدمــرة أي املخربة. وسميت بذلك االســم بعد الـخـراب الذي لحقها سنة 612 ق.م. وفــي عامنا هذا 2017 م لو قدر لك أن تطل على املوصل الـقـديـمـة لـوجـدتـهـا مـثـل مــا كـانـت عليه مـن خــراب مـع اخـتـالف الـزمـن واختالف الــــغــــزاة.. دمـــــار مــتــواتــر يــمــر عــلــى هذه األرض التي تطل على نهر دجلة، يطال األفـكـار والنفوس التي كلت ثم عميت.. يفر الفارون منها وينتحر املوتى! «داعــــــــش» فـــي آخـــــر مــعــاقــلــهــم بايعوا: «بــيــعــة املـــــــوت» ألن هـــــذه هـــي النهاية املتوقعة لهم، واملالئمة ألجانب قطعوا الـــبـــر والــبـــحـــر القــتــنـــاص حـــيـــاة أفضل لــهــم عــلــى خــــراب مـــدن غــيــرهــم، وجرها للعصور التي خلت. املوت يحيط باملوصل القديمة.. يطوف بــني أزقــتــهــا الـضـيـقـة، فيقتنص بعض الـفـاريـن، وبعض املتلصصني، ويواجه مــن بـايـعـوا على املــوت وهــو «منشكح» ألبـعـد مـــدى، فــاملــوت أشـبـه بـمـعـدة رجل كسول شره ال هم له، فال فرق بني طعام وآخر. بيعة املـــوت دفــعــت أمــا أجنبية احتلت املوصل هي وزوجها أن تتمنطق بحزام نـــاســـف لــتــفــجــر نــفــســهــا هـــي ووليدها عند مــرورهــا أمــام عناصر مـن الجيش العراقي الــذي يحاصر املدينة القديمة الطافحة باملوت والقذارة!