«الثقافية» أداء مميز بإمكانات متواضعة
عندما أنهينا الدراسة الجامعية فكرنا بالسفر، وعندما اكتمل استقاللنا املادي باشرناه، وعندما سافرنا لم يكن لنا من خيار أمثل سوى القاهرة. تلك التي عرفناها من جمال حمدان، وجمال الغيطاني، وجـمـال عبدالناصر، وال زلــت أتـذكـر أن أول أستاذ مصري علمني املعادالت كان اسمه جمال، فأي إنسان محظوظ مــن يـحـوطـه كــل هــذا الــجــمــال، ويـربـطـه بمدينة سكنته قـبـل أن يسكنها. مــن خـــالل بــرنــامــج (حــديــث الــذكــريــات) لـلـقـديـرة أمـيـنـة صبري على إذاعة صوت العرب، تعرفت على النخب الثقافية والفنية، ومن قـراءة الصحف املصرية الحزبية وغيرها اتسعت مساحة التعارف، كـون الصحافة قبل ربـع قـرن تكشف الوجه الحقيقي للبلد الـذي أنت فيه، ثقافيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، ولم تكن وصية أحـد الحكماء عبثًا عندما قـال «لكي تعرف البلد عليك بقراءة صحفه». بـــمـــرور الـــوقـــت، ونــحــن فـــي مــعــتــرك الــــقــــراءة، تـــعـــززت عالقتنا بصحافتنا وكتابنا، واكتشفنا أن لدينا عمالقة في كل فـن، ال يقلون موهبة وال أداء عن نظرائهم في مصر ولبنان والعراق وبــالد الـشـام، بل كـان من سمات صحفنا الرصانة برغم ضيق املساحات وتدبيب القمم. في عصر الـصـورة، انفتحنا على البرامج التلفزيونية، ومنها (رحــلــة الـكـلـمـة) لـلـقـديـر حـمـد الــقــاضــي، و(الــكــلــمــة تـــدق ساعة) للموهوب محمد رضا نصرالله، ولم أكن أفوت البرنامج اإلذاعي (ثــمــرات املــنــتــديــات) لــلــراحــل الـكـبـيـر عـبـداملـلـك عــبــدالــرحــيــم، ما يعني أن مشارب الـقـارئ طيلة عقود كانت مـقـروءة ومسموعة ثم مرئية. عندما أكرمنا الله بقناة ثقافية متخصصة، ومختصة بشأن النخب، استبشرنا خيرًا، إال أنها غدت مع الوقت كاليتيم على مائدة غير الكريم، فالتمويل الالزم لها ال يكفي، هذا إن كان لها من تمويل، وليس من حقها أن تبرم عقود دعاية وإعالن لتسد بعض حاجتها، وربما استعانت بأدوات رصيفاتها من القنوات التوائم إال أن العارية ما تسد اللزوم. فــي كــل مناسبة ألتقي بمدير «الـثـقـافـيـة» املتقاعد عبدالعزيز العيد، أو بمذيعها املتألق سعد زهير الشمراني، أو املذيعة إيمان باحيدرة، واملعدة مها فّران، أشعر باعتزاز وتقدير وأسًى أيضا.