إن كان هذا هو الغناء فهو حرام
تهافت الفن، وعلى نحو خاص فن الغناء، نتيجة عاملني تكالبا عليه فانتهيا بــه إلــى مــا آل إلــيــه الــيــوم مــن حــال أصــبــح فيها مسخا ال يمكن معه اعتبار مـن ينتمون إلــى حقله أحـفـادا ملن كانت أغانيهم تبني الذائقة العربية، مشكلة جزءا ال يتجزأ من النهضة التي لم تكن تتوقف عند الفنون فحسب، بل تشمل كافة جوانب الحياة. يتمثل العامل األول في ذلـك التحريم املطلق للغناء والــذي ال يفرق بني الغناء الذي يسمو بالعاطفة اإلنسانية ويبعث فيها ضــربــا مــن اإلحـــســـاس بــالــجــمــال الــــذي يـنـعـكـس عــلــى عالقتها بالعالم من حولها وغناء غث وضيع يستدر الشهوات ويستفز الـغـرائـز ويئد فـي اإلنـســان كـل إحـسـاس بالجمال والـسـمـو، أما العامل اآلخــر فيتمثل في «تسليع» الفن وفـق نمط استهالكي مكنت تقنيات تنقية الصوت من توظيف طوابير ممن يدعون االنتماء للفن والفن منهم براء من الغناء واملشاركة في التجارة الــرائــجــة الــتــي قــامــت عـلـيـهـا شــركــات إنــتــاج وتـبـنـتـهـا قنوات ومحطات تلفزيونية ال هم لها إال استدراج املشاهدين واقتطاع أكبر نصيب لها من كعكة اإلعالنات. انـتـهـى الـغـنـاء إلــى غـنـاء ال يشبه الــغــنــاء، ال يـتـجـاوز أن يكون كلمات متهافتة وإيقاعات مكررة صاخبة وكـل ما يحمله من يؤدونه من مؤهالت ال يتجاوز صدر مغنية شبه عار ورشاقة مغن يتمايل بقده املـيـاس على خشبة املـسـرح، وابتلي الغناء بأغان تشبه أزياء املوضة التي تستهلك خالل سنة أو فصل من السنة أو مناديل الكلينكس التي ال تصلح لالستخدام إال مرة واحدة. وقـد فاقم من مأساة الفن تقاعس الــدول والحكومات عن دعم الفن الرفيع مما جعل شركات اإلنتاج تنفرد باملستمعني وتعمل على إفـسـاد ذائقتهم وفـق أسـلـوب ممنهج، حتى انتهى الحال بمن يجهد في الحفاظ على سالمة ذائقته أن يــردد من غيظه مما يرى: إن كان هذا هو الفن فهو حرام دون شك.