Okaz

جوازات سفر للجحيم !

- د. فؤاد مصطفى عزب fouad5azab@gmail.com

ليس لي حسابات أو تطبيقات في كثير من وسائل التواصل االجتماعي.. لكنني أتــرك مساحة بسيطة لتلقي بعض ما يطرح في هـذه الوسائل من الــزمــاء واألقـــــ­ارب واألصـــدق­ـــاء والـــقـــ­راء.. كـمـن يــوقــد الــنــار فــي املــدفــأ­ة لكي يستمتع بدفئها دون أن يعرض جلده للحرق.. نوع من «املازوشية»، املازوشية ملن لم يسمع بها من قبل هي امرأة تتلذذ بإيذاء نفسها وتنتشي باأللم.. باألمس القريب بعث لي ابني األصغر(ريان) تسجيا لصديقه (عبدالله علي إسماعيل هوساوي)، والذي كان يغسل جراحه على «السناب شات»، كان فيه يحترق معلقا «هي الحرائق التي تشتعل لتلتهم ما تبقى منا في صمت، كم من سحابة نحتاجها لنطفئ حرائقنا»، على الطريقة العنصرية والاإنساني­ة التي كان يتشدق بها أحد الشباب املتغطرسني وبشكل سافر عن أصحاب البشرة غير البيضاء.. شاب كانت تظهر عليه أعراض انسحاب الذوق العام بوضوح وتوقف مضخة االحترام لبقية األلوان، كانت الكلمات الصادمة تنحدر من قمة رأسه وإلى أصابع قدميه وكأنها قنوات لنهر آسن يصب في بحر العنصرية والكراهية.. بعض الكلمات والعبارات ما هي سوى جواز سفر للجحيم أحيانًا.. بل هي أحزمة ناسفة تفجر السام االجتماعي وتهدد لحمته وتجرنا إلى شباك معقدة.. كنت أحمد الله وأنا أتأمل املشهد بخيبة وحـزن وألـم كـأن أحـدًا رمـى بقذيفة هـاون أصابتني فشتتني إلى شظايا كئيبة أن ال أحد يستطيع أن يتسلل إلى ذاكرتي، فلو استطاع فقد يجد منفذًا للعبث بأشيائي النبيلة القديمة.. استعدت ما يمكن استعادته دفعة واحدة وأنا أضع يدي على صدري في محاولة للتخلص من تلك األحاسيس العنصرية املقلقة للغاية، يقول محمود درويش «ولهذا لم أتوقف عن الركض.. أطير على الرصيف هاربًا من مدينة مهجورة.. أبحث عن بقايا ذكرياتي الصدئة علها تنقذني من وجعي»، تذكرت كيف احتفلنا وافتخرنا بأبناء مكة عندما عادوا إلينا.. الكابنت طيار الفذ األسمر (عبدالله وزنـة) أطال الله في عمره، والـذي تقلد أرفع املناصب القيادية في الخطوط السعودية واستعانت بـه كبريات شـركـات خطوط النقل الـجـوي بعد تـقـاعـده.. وكـذلـك البرفسور الدكتور (فـرج الله وزنـة) الجراح املتميز، والـذي تتلمذ على يده الكثير من الجراحني السعوديني املهرة في كلية الطب بجامعة امللك عبدالعزيز، وتشرفت بالعمل معه عندما كنت مـديـرًا عامًا ملستشفى امللك عبدالعزيز الجامعي.. لـم يكن يعنينا ونحن نحتفل بهم لون بشرتهم، كان حجم اإلنجاز يطغى على املظاهر الخارجية أتذكر ذلك بزفرة كبيرة وضيق في التنفس.. كان الرعب يقبض على روحي ويقضمها كما الفأر الجائع.. أحسست باختناق شديد ورغبة كبيرة في التجشؤ ومـرارة صفراء تصعد في معدتي، فالفكر العنصري قد يبدو للبعض جرحًا صغيرًا لكنه إن لم يعالج في حينه يتحول إلى نهر مسرطن ثم إلى فيضان ألطراف له يصعب احتواؤه.. وألنني أؤمن بعقلي املذكور في القرآن الكريم.. ظل السؤال ينمو في داخلي حتى سيطر على كلي.. ما العمل؟ ألجد مقال الكاتب اإلضافة لكتاب «عكاظ» املتميزين واملحامي املخضرم املحترف املستشار (أســامــة سـعـد يــمــانــ­ي)، وكــأنــه إجــابــة لـتـسـاؤال­تـي، حـيـث كـتـب مــقــاال بـعـنـوان «املحاكم التويترية»، انبهرت كثيرًا بكامه وبكل شيء في املقال ربما ألنه كان يرسم ما تنامى في ذهني، حيث تحدث وبطريقته التوعوية الناضجة عن وسائل التواصل االجتماعي «السوشيل ميديا»، وكيف أنها وسيلة نشر علنية وكيف أن خطورتها تكمن في أنها ال تخضع لضوابط الصحافة وال قوانني الفضائيات، وكيف أن استغالها في غير محلها في إثــارة النعرات ونشر العنصرية والكراهية والتحريض والتأليب وتضليل الرأي العام وإثارة الفنت ونشر الفكر اإلرهابي.. ونوه وبشدة على أهمية البحث وبجدية عن السبل التنظيمية وسـن القوانني إليقاف كل ما يهدد السام االجتماعي وكأنه يقول بفكره املضيء حذار من أن تسقط الكمامة فينقطع جدول الحياة ومنحنا قائمة صغيرة وخريطة طريق إليقاف كل ما يهدد السام االجتماعي ويقتل الحياة.. وال شيء يقتل الحياة أكثر من العنصرية البغيضة إنها ابنة املــوت وصوته الـسـري.. املــوت ليس أن تموت جثتك وتدفن تحت كومة من التراب.. املوت أن يعيرك أحدهم بلونك أو ثقافتك أو مذهبك أو جنسك أو لغتك ويحقرك وينجو بكل ذلـك من العقوبة املتداولة في كل العوالم املتحضرة، هذا هو املوت الحقيقي أن تصبح شخصا لم يعد لديه من الحياة شـيء يغريه على مجاملتها في االسـتـمـر­ار.. أملي كبير أن تكون هـذه القضية األولى التي يتدخل فيها النائب العام لتقديم أجد دعاة العنصرية والكراهية للعدالة حماية لنسيجنا االجتماعي ولعل الشراع يفيق!!.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia