ال تسلموا عقولكم ألحد *

أود أن أقــــف مــعــكــم عــلــى مــســألــة مــهــمــة تــتــعــلــق بــأســلــوب التفكير ومستقبلكم العلمي، مسألة هي أهـم من حديثي عن الشعر، مسألة احفظوها عني وتذكروها دائما، ال تقتنعوا بأي إجابة جاهزة عن أي سؤال، ال تقتنعوا بأي حل وحيد ألي قضية، واجهوا اإلجابات الجاهزة باألسئلة، والـنـتـائـج بمزيد مــن البحث واالسـتـقـصـاء، األسـئـلـة وحــدهــا تـقـود إلــى إجابات متعددة، ليس بينها إجابة صحيحة صحة مطلقة، كل إجابة هي وجهة نظر، تصمد بقدر ما دعمها صاحبها باألدلة والبراهني، وتتهافت بقدر ما نواجهها باألسئلة والنقاش والفحص، كل إجابة هي وجهة نظر يجب علينا احترامها واحترام صاحبها، دون أن يعني ذلك أن نسلم بصحتها دون نقاش أو نعتمدها دون بحث واستقصاء. تلك مسألة ينبغي أن نعتمدها في حياتنا العلمية أيـا كـان تخصصنا، علوما إنسانية أو علوما نظرية علمية بحتة، العلماء الكبار أصبحوا كبارا ألنهم واجهوا إجابات جاهزة، واجهوا مسلمات كان الذين قبلهم يعتقدون أنها حقائق مطلقة غير قابلة للنقاش، العلماء الـذيـن تدين لهم البشرية بتطوير العلم مـن أمثال جاليليو وكوبرنكس وآينشتاين إنما تكمن عظمتهم في أنهم ناقشوا ما كان سائدا ومسلما به، ما كان يعتبر حقائق مطلقة، قوضوا كثيرا من تلك املسلمات وبنوا مسلمات جديدة بانتظار من يقوضها ويتقدم بالعام خطوات جديدة. وأنا ال أشك أبدا أن بينكم جاليليو آخر وكوبرنكس آخر وآينشتاين آخر، بشرط واحد هو أن يحتفظ بعقله حرا ال يتوقف عن التفكير ويخضع كل مسلمة للسؤال، عقل حر يمتلك األدوات العلمية التي تجعله قـادرا على الرؤية من كافة الزوايا ومناقشة كافة االحتماالت، العقل الحر الذي هو أثمن ما وهبكم الله فاحرصوا على أال تسلموه ألحد.

* من محاضرة لي عن الشعر ألقيتها يوم أمس في إطار برنامج مسابقة اقرأ التي يعقدها مركز امللك عبدالعزيز الثقافي العاملي في الدمام ويحضرها نخبة من طالب وطالبات التعليم العالي والتعليم العام.