الطبع والتطبع.. من يطغى على اآلخر؟
لو طرحنا على الناس سؤاال عن أسوأ الصفات التي يجدونها في أنفسهم، ستجد أن الكثير يعترفون بطباعهم السيئة، هذا وعي مطلوب ولكن السيئ أن يعترف أحدهم بها على سبيل التبرير للمآزق األخاقية ولـكـنـهـا فــي الــوقــت نـفـسـه تـعـنـي االســتــمــرار في الطبع السيئ، وقــد يذكر أحـدهـم الصفات الجيدة التي يحاكمها أخاقيا على أنها سـيـئـة ألنـــه عــاجــز عــن املـــوازنـــة بــن األخذ والعطاء، وهــذا يتشكل من شعور اإلنسان بأنه أحيانا ضحية للظروف. يـمـيـل الـــنـــاس إلـــى االعــتــقــاد بــفــكــرة حرية الــتــصــرف، ولـكـنـهـم يــصــدمــون أحــيــانــا في أنــفــســهــم ويـــتـــســـاءلـــون عـــن أفــعــالــهــم ذات النتائج الخاطئة ويتمنون أنهم تصرفوا بـطـريـقـة مختلفة، ألن غالبيتهم يدركون رغباتهم ولكنهم ال يدركون دوافعها، حيث إن الطبع يتشكل وفــق معطيات الظروف والـتـنـشـئـة، وتـصـبـح أكــثــر الــتــصــرفــات برمجية أكثر من كونها عقانية، وغالبا ما يكون اتخاذ الـقـرارات في شـؤون الحياة مبنيا على ما تدفع به القوى املتحكمة في طبعه، وبالتالي فهي التي توجه أفعاله سواء كانت إيجابية أو سلبية. قــــد يـــظـــن الـــبـــعـــض أن قـــــــدرة اإلنـــــســـــان تتحدد بــالــظــروف الــتــي يمكنه الــنــفــوذ عـلـيـهـا، ولكننا نجد فـي كثير مـن األحـيـان أن طبع اإلنـسـان هو من يرسم انفعاالته، غير أن قدرته في الواقع ال تـتـحـدد بــالــظــروف واالشــتــراطــات املــعــدة مسبقا طاملا استطاع الخروج عن طبعه الجاهز وامتلك حــريــة اإلرادة فـــي فــهــم نـفـسـه وما يــصــدر عــنــهــا مـــن تــعــبــيــرات حتى يـــكـــون لـــديـــه طــبــع مــخــتــلــف ودور فاعل. يصعب على الكثير تغيير الظروف الــــتــــي حــــــــددت طـــبـــاعـــهـــم مسبقا، ولكنهم بحاجة إلــى الـحـافـز الذي يجعلهم يـدركـون أن لديهم القدرة فــــي تـــطـــويـــر أنـــفـــســـهـــم عـــلـــى نحو إنـــتـــاجـــي يــجــعــلــهــم قــــادريــــن على الــتــحــكــم فــــي أنــفــســهــم، وبالتالي يمكنهم التطبع بطباع يدركون بها أهـداف حياتهم واألساليب التي تحقق لهم تلك األهداف، ما يجعلهم محبن ألنفسهم ولآلخرين، وحــن يصبح التطبع طبعا سيتمكن اإلنسان مـن التغلب على طباعه السيئة، ألنـه فـي جميع األحوال مسؤول عن تصرفاته وعن نتائجها.