سؤال ينتظر اإلجابة.. «األدب» فكرة أم ممارسة؟
مبدعون ترنحوا بني هوية الثقافة وهواية النص
تــرى بعض الـتـيـارات الفكرية والنقدية الحديثة أن «األدب» ممارسة ولـيـس «فــكــرة»، خصوصا أنــه (أي األدب) يـبـدأ بفكرة ثـم يتحول إلى ممارسة، إذ يؤكد أستاذ األدب الفرنسي بـ(جامعة سيرجي بونتواز) إيمانويل فـريـس وبــرنــار موراليس في كتابهما املشترك (قضايا أدبية عامة) أن األدب هو فعل اتصال ونقل، وأن املعلومات الهامشية التي تتألف منها لوازم النص هي جزء ال يتجزأ مــــن األثـــــــر لـــوصـــف (الفيللوجي)، موضحني أن تنوع الخيارات تشكل أفـــكـــارا أســاســيــة وقـــاعـــدة إلشكالية مــوحــدة تـتـعـلـق بـالـنـشـر واالتصال والــــــقــــــراءة، وهـــــو مــــا لــــم تـــتـــطـــرق له النظرية "البنيوية". النوع األدبـي من جانبه، يؤكد أستاذ الفلسفة في النقد األدبـي الناقد املصري الدكتور عالء عبدالهادي، أن الجيل األدبي يرتبط غالبا بشكل من أشكال وعي جمعي متقدم، من جماعة أو صنف من الناس، أما إذا كان هذا الوعي فرديا، ويخلو من التفاف جمعي من حوله، فإنه ال يشكل جيال لـه رؤيــة. وأضـــاف: «يمكننا أن نربط مفهوم الجيل األدبــي علي مستوى اإلنتاج برؤية ما إلى العالم تشكلت بني عدد مؤثر من أفراد هذا الجيل وممارساتهم، وذلك على نحو له تأثيره امللحوظ على جماعاته وأفراده، وهذا ما يربط هذه الرؤية بـطـبـقـة أو بــفــئــة، وربـــمـــا بطليعة جيل ناهض أيضا». وتطرق إلى نظرية (النوع األدبي)، مــوضــحــا أنـــهـــا تــثــيــر مسألتني أساسيتني؛ األولــى: أنها تقبل خصوصية كــل عـمـل أدبي، والثانية: أنها تؤسس في الـوقـت ذاتــه عـالقـة العمل األدبــي أو الفني الفردي بنوعه األدبـــي أو الفني الجامع. وأوضــــــــــح أن النظرية تــــــعــــــد مــــــــجــــــــاال تتضح فــــيــــه خـــصـــوصـــيـــة األدب ومـــــفـــــاهـــــيـــــمـــــه، وهـــــــــــــذا ما جــعــل لــــأدب ســمــات تجعلنا مـــــطـــــمـــــئـــــنـــــني إلــــــــى أن نتائج مــحــاوالتــنــا الــقــرائــيــة سـتـكـون ذات قـــيـــمـــة فـــــي الـــنـــهـــايـــة وتـــســـتـــحـــق جهد املحاولة. فلسفة جمالية أما الناقد واألكاديمي الدكتور صالح زياد، فيوضح أن الفلسفة الـــجـــمـــالـــيـــة الــــتــــي تــنــفــي املفهوم عــن الــجــمــال مـثـلـمـا تـنـفـي املنفعة عــنــه، «نـــافـــذة لــالنــفــتــاح عــلــى غير املــــفــــهــــومــــي وغـــــيـــــر العقالني، وتـثـمـيـنـا ملـلـكـة الــخــيــال، كما لـــــدى الـــرومـــانـــســـيـــني ومن بعدهم املذاهب الطليعية والــــنــــزعــــات الحداثية املــــخــــتــــلــــفــــة، وكـــــانـــــت نـــافـــذة لـــإطـــالل على األدب والـــفـــنـــون من زاويــة االهتمام فيها باللغة وما تمثله من اســتــقــالل عــن املفهوم أو الغرض». وأضـــــــــــــــــــــاف أن «هـــــــــــذا االهــتــمــام تــحــديــدا هــو ما قـــوى فــي املــقــوالت اللسانية والـــســـيـــكـــولـــوجـــيـــة والفلسفية والــفــنــيــة، مـــن الــوجــهــة الـــتـــي تمثل انقالبا على تصور هيجل للغة واألدب؛ أعني السعي ـ فـي ُّالوجهة الهيجليةـ إلــى جعل الواقع شفافا، وإخضاع األدب للوجوس واألصل، فاألدب ـفي هذه الوجهةـ مثل اللغة ثانوي، وهو نمط أدنى من املعرفة، وحني يثور األدب على هذا النسق من التصور فإنه، يثور على القيم النفعية، وعلى كـل نسق عقالني يقمع تلقائية الـــذات وحريتها الـفـرديـة فـي التحقق اإلبداعي». الفطرة واملوهبة مــن جــانــبــه، يـــرى الــشــاعــر والروائي الكاتب عبده األسمري، أن األدب يظل تـحـلـيــال ونــتــيــجــة وهـــدفـــا مفترضا لــلــثــقــافــة، ســـــواء مـــن خــــالل ممارسة الــثــقــافــة قــــوال وفــعــال وعـــمـــال، قراءة وتحليال وبحثا، وأوضح أن املفهوم اختلط في مشكلة أزلية تتعلق بكينونة الثقافة وكيان األدب، بني الهث وراء املعرفة وتغذية الـــعـــقـــل وبــــــني بـــــــارع يـــعـــاقـــر الكتب لــيــرضــي غـــــرور مــوهــبــة مــــأت قلبه وعقله حتى أصبح مبدعا، وبـات مساره األدبـي أسلوب عيش وسلوك حياة وطموح شخصية. وراهـــن األســمــري على وجــود أديــب خــرج بـالـفـطـرة، مـؤكـدا أن املوهبة هي األساس األول، وعندما تظهر باكرا فإنها ستسير بخطى ثابت إذا ما صقلت وأشبعت بالثقافة فإن هذه الخطوات ستتحول من (ثابتة) إلى (واثبة) نحو التميز، موضحا أن «بني هواية الثقافة وهوية األدب مجاالت من الترابط واالرتباط، أساسه املهارة، وتفاصيله الدافعية».