Okaz

«إال أحوجهم الله إليه»!

ﻋﻠﻰ ﺧﻔﻴﻒ

-

أقرض رجل صديقًا له مبلغًا من املال، فأراد املقترض كتابة سند باملبلغ وأنه قرض حسن إلى أجل، فبادره املقترض بقوله: عيب عليك.. وهل يكون بني األصدقاء سندات وأوراق ؟!، فشكر له صديقه ثقته املفرطة فيه ووعده بسداد القرض في آخر ربوع في صفر! وملـا مضت األيــام والشهور ودخــل شهر صفر وخرج ودخل في عام آخر وخرج، ضاق الرجل ذرعًا بمماطلة صديقه فشكاه إلى جار له كان من أهل العلم والحكمة، فـأنـبـه على عــدم أخــذ سند يثبت حـقـه، وقـــال لــه قوال مأثورًا «ما ترك القوم أمرًا من أمور الشرع إال أحوجهم الله إليه»!، فرد عليه الرجل بقوله: ولكنني استحييت من أخذ سند بالقرض مع أنه عرض السند علّي فقلت له عيب! وهـنـا اشـتـد زجــر جــاره لـه وقـــال: يـقـول الـلـه عـز وجل، وهو أعلم بخالئق خلقه، بوجوب كتابة سند بالدين «وال تسأموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلــى أجله» وأنت تقول: عيب؟! فانصرف الرجل من مجلس جاره مذمومًا مخذوال. لقد عاصرت مشاكل بني أصدقاء وأقـارب وزمالء كان سببها عدم توثيق ما بينهم من حقوق وعقود، «فإذا أنكر خل خله» وشجر الخالف وادعــى صاحب الحق بالحق ولـم يكن في يـده ما يثبته راح يتألم ويشكو «لــطــوب األرض» خـــذالن صـديـقـه أو زمـيـلـه أو قريبه له، وأنـه وثق به وسلمه مبلغًا على سبيل القرض أو مشاركة له في تجارة أو لبناء دار أو لشراء سيارة أو أثــاث فلم يأخذ سندًا باملبلغ الــذي سلمه لـه باعتبار ذلك «عيبًا»، فإن الجواب يكون أنه يستاهل ما حصل لـه ألنـه فـرط فـي تطبيق أمـر شرعي إلهي جـاء لحفظ الحقوق وتوثيقها بني الناس فتركوه وطبقوا عرفًا بـيـنـهـم، بــزعــم أن فــي تـوثـيـق الــحــقــ­وق بــني األصدقاء والزمالء عيبًا ال يغتفر! مــثــل هــــذه الــقــضــ­ايــا الــتــي تــشــغــل املــحــاك­ــم والقضاة قــد تنتهي بطلب الـيـمـني مــن املــدعــى عليه فيؤديها بعضهم وهو يعلم بأنها يمني «غموس»، أي تغمس بصاحبها في النار، ولكنه ال يبالي بذلك، أما صاحب الحق الضائع فإنه قد أضاع حقه في الدنيا بتركه أمرًا شرعيًا، أما حقه في اآلخرة فإنه لن يضيع!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia