مرافعة عن سقوط اإلعالم!
يتحدث الناس كثيرا عن حرية التعبير، يتطلعون إلى أن يتاح لكل أحد قول ما يشاء وقتما يشاء، بدون أن يتعرض ملحاسبة أو لجم. وغــالــبــا حــني يـتـحـدث الــنــاس عــن هـــذه الــحــريــة، فـــإن أول مــا يخطر بـبـالـهـم حــريــة التعبير عـبـر الــوســائــل املتاحة للتعبير، سواء عن طريق الكتابة والتأليف، أو اإللقاء من فوق املنابر، أو الحوار عبر الفضائيات، أو غير ذلك. حرية التعبير هي من أكثر القضايا الفكرية تعقيدا، وهي إشكالية فكرية قديمة تمتد جذورها إلى العصر اإلغريقي قبل امليالد، ومنذ ذلك العصر البعيد وإلى اليوم، والناس مـا زالـــوا تائهني فـي البحث عـن املفهوم الحقيقي ملعنى حــريــة الـتـعـبـيـر وفــيــم إن كـــان لــهــا حــــدود أم أنــهــا حرية مطلقة؟ وسطنا الثقافي منشغل هذه األيام بالحديث عن واقعة تتعلق بهذا الشأن، فقد تمادى أحد اإلعالميني أثناء مناقشته لبعض األوضـــاع فـي إحــدى الــــوزارات، فتجاوز التهذيب مستخدما ألفاظا ال تليق، وملصقا بها تهما بال دليل، مما دعا الوزارة املعنية إلى مقاضاته حول ما نسبه إليها من اتهامات. لــكــن األســـتـــاذ خــلــف الــحــربــي الــكــاتــب املـــعـــروف فـــي هذه الصحيفة، ساء ه أن يقاضى أحد املنتمني إلى اإلعالم، فهو يؤمن بحرية التعبير ويؤمن أن دور اإلعالم أن ينتقد ما يراه من قصور في مختلف مؤسسات املجتمع حكومية أو أهلية أو مدنية، فهذه وظيفة اإلعالم، أن يكون عينا رقيبة، تكشف التقصير والفساد وتعري املستور من العيوب. لذلك كتب مرافعة طويلة عبر مقاله املنشور في «عكاظ» يــوم «الــســبــت» املــاضــي، معترضا عـلـى مـقـاضـاة الوزارة لإلعالمي الــذي انتقدها، وقـد استند زميلنا الحربي في مرافعته إلى أن اإلعالم في اململكة يؤدي دورا مهما، وأنه قد حقق نجاحا ملموسا في مواجهة االفتراء ات اإلعالمية الخارجية ضد اململكة، ولذلك يجب أن يترك اإلعالم حرا، فال يقمع بمقاضاة أحد أفراده. ومــع تـقـديـري لـتـضـامـن األســتــاذ خـلـف وسـعـيـه املخلص للدفاع عن زميل، إال أنـي أختلف معه في كثير مما قال، وأول ذلك خلطه األوراق عند الحديث عن نجاح اإلعالم، فنجاح اإلعالم في الدفاع عن اململكة إعالميا، ال عالقة له بالتغاضي عما قد يظهر من تجاوزات بعض املنتمني إليه، وعندما يحاسب إعـالمـي على تـجـاوزه فـإن ذلـك يعد في صالح اإلعالم، ألنه ينقيه من التشوهات التي تلتصق به، فاإلعالم املحترم، إعالم مهذب، على قدر عال من الشعور باملسؤولية تجاه ما يطرحه على الناس من مضمون. أما متى تدنى اإلعالم في مضمونه، واتخذ من السخرية وإلقاء التهم جزافا، مرتكزا يبني عليه مادته، فإنه آنذاك يضحي ال فرق بينه وبني مشاغبي القهاوي والطرقات.