Okaz

علي صالح والرقصة األخيرة

-

كنت أعتقد أن علي عبدالله صالح سيكون زعيما تأريخيا لو كان اكتفى بالزمن الطويل لفترة حكمه وعـاش بقية حياته رمـزا يمنيا استثنائيا، ال سيما وقد توفرت له ضمانات لم يكن يحلم بها تمكنه مــن قــضــاء بـقـيـة حـيـاتـه آمــنــا مطمئنا وفـــي أقــصــى درجــــات الرفاه وبـحـبـوحـ­ة الـعـيـش مــن املــلــيـ­ـارات الـتـي تـفـي أجــيــاال مــن أســرتــه. كان بإمكانه ذلك لكنه كان قد أدمن املقامرة بالحياة في لعبة الحكم فلم يعد قادرًا على التخلي عنها. كان يظن أن اليمن لن يكون يمنا بدونه، وال يتخيل أن يكون لليمن حاكم غيره طاملا هو على قيد الحياة. قديما ربـطـوا حكم اليمن بمواجهة األهــــوا­ل، واسـتـمـر اليمن كذلك غرائبيا فـي حكمه، لكن علي صالح اعتقد أنـه روض اليمن بعدما توهم أنه قادر لألبد على الرقص مع األفاعي واملشي فوق رؤوسها بسالم. أكثر من ثالثة عقود أصبح اليمن خاللها يمن علي صالح، هــكــذا هـــي الــعــقــ­لــيــة الــعــربـ­ـيــة تـــمـــار­س الــديــكـ­ـتــاتــور­يــة تــحــت مظلة ديموقراطية وهمية. اخترع صالح حزب املؤتمر وجعل منه الحزب األوحد وهو رجله األوحـد، وعندما أزيح من الحكم بعد انتفاضات 2011 أراد إيـهـام الـنـاس أنــه سيمارس الحياة السياسية مـن خالل الحزب كمواطن يمني ورئيس للحزب، وكأنه يتحدث عن ممارسة سياسية في دولة أوروبية. هو في أعماق عقله الباطن لم يتخل عن حكم اليمن عندما ترك القصر الرئاسي، وعندما اكتشف أنه سيذوي رويدا رويدا من املشهد رفض ذلك حتى لو كان الثمن حياته. اقترب من املوت كثيرا عندما فجروا مسجده، وتم نقله إلى الرياض جسدا مـتـفـحـمـ­ا، عـــادت لــه الــحــيــ­اة بـمـعـجـزة لـكـنـه بـمـجـرد تـمـاثـلـه للشفاء نسي كل ذلـك وعــاد إلـى ممارسة هوايته األثـيـرة، املشي فـوق حقول األلـغـام مـن أجــل غـوايـة الحكم. يتحالف وينقض التحالفات، ّيعقد الصفقات الخطرة بال تـردد، يغدر بالقريب والجار اليوم ويلوح له غدا بالتحية. املــرة األخــيــر­ة كــان تكتيكه كمن يـريـد مسح نـقـاط ســـوداء مـن سجله باقتناص لحظة مواتية لالنتقام من حليف األمـس القريب والعدو الدائم في كل املراحل السابقة، لكن االنتقام كان تحت شعار تخليص اليمن من هيمنة الغريب اإليراني عبر وكيله الحوثي، انتشى صالح بامتثال بقايا القوات ألوامره فنسي أنه بال غطاء. تحرك بقوة فقال له الحوثي بأن عليه التعقل، لكنه مضى كعادته بال مكابح، فكانت الـنـهـايـ­ة مــأســاوي­ــة. الـرئـيـس والـزعـيـم والـقـائـد تـتـم مهاجمة موكبه ويجبر على النزول من سيارته ليتم إعدامه والتمثيل به وبث املشهد البشع في وسائل التواصل. تصفية علي صالح لن تتيح للحوثي االنفراد بالحكم، وال ألي طرف آخــر. إنــه اليمن الــذي سيشتعل ليكتب فصال جـديـدا فـي األسطورة اليمنية التي ال شبيه لها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia