الشرطة البيئية السعودية.. العربة قبل احلصان!
تـداول مواطنون، خصوصا املهتمني بالشأن البيئي أخيرا، خبر اعــتــزام وزارة البيئة واملــيــاه والــزراعــة إنــشــاء جـهـاز للشرطة الــبــيــئــيــة يــعــمــل عــلــى ضــبــط الـــســـلـــوك الــبــيــئــي ومنع الـــتـــجـــاوزات واملــخــالــفــات، بـكـثـيـر مـــن الغبطة والـــــســـــرور بـــاعـــتـــبـــاره قـــــــرارًا حــكــيــمــًا طال انتظاره ويصب مباشرة في مصلحة الـــوطـــن وعـــــدم الــســمــاح للعابثني بـمـكـونـاتـه ومـــقـــدراتـــه، وتتويجًا ملـــــنـــــاشـــــدات كــــثــــيــــرة تــــمــــت خال السنني املاضية. ومــــــن املــــتــــوقــــع أن تـــهـــتـــم الشرطة الــبــيــئــيــة بـــضـــبـــط املـــخـــالـــفـــني لسامة وصـحـة البيئة ومــراقــبــة ومـعـاقـبـة األفعال التي تشكل انتهاكًا واضحًا لصحة وسامة اإلنــســان والـحـيـوان والـنـبـات والطبيعة، بما في ذلك: الصيد الجائر واالحتطاب الجائر والتعدي على املحميات وعلى الـتـنـوع الــحــيــوي، والـعـبـث باملمتلكات العامة ورمي النفايات والتلوث بأشكاله املادي والسمعي والبصري كتلوث الهواء بـــأدخـــنـــة املـــصـــانـــع والــــســــيــــارات وتلوث املـــيـــاه الــجــوفــيــة ومـــيـــاه الــبــحــار وتلوث التربة واملحاصيل واألطعمة والتدخني والــشــيــشــة فــي األمـــاكـــن الــعــامــة، وسرقة املــيــاه والـــرمـــال والــصــخــور واألراضــــي والشواطئ، إضافة لنشر الوعي البيئي لـــدى جـمـيـع شــرائــح املــجــتــمــع، وغير ذلك من مهمات متعددة ومتشعبة. ولــــــكــــــن الــــــــســــــــؤال الــــــــــــذي ينبغي طـــــرحـــــههـــــــو:هــــــلنــــحــــنجـــــاهـــــزون لـــــعـــــمـــــل هـــــــــــــــــذه الـشـرطـة؟ هـل العمل واملـنـظـور البيئي لدينا واضــح املـسـار واملهمات والقوانني والجهات املرجعية تشريعيًا وتنفيذيًا؟ هل لدينا خطة بيئية إستراتيجية متوسطة وبعيدة املــدى؟ وهل لدينا أهــداف وتنسيق ومسؤوليات محددة وواضحة وصارمة في مجال العمل البيئي وملزمة للجميع من قطاعات حكومية وخاصة ومواطنني ومقيمني؟ وهل تلك الجهات واألفـــراد حاليًا على وعــي كــاف بمفهوم البيئة ومكوناتها وخـطـورة التعدي عليها والقوانني املنظمة لها؟ وبالتالي معرفة ما يترتب على انتهاك تلك القوانني من عقوبات مغلظة وغير مغلظة! إن بـــادنـــا مـــن أوائـــــل الـــــدول الــنــامــيــة الــتــي أنـــشـــأت أجـــهـــزة وإدارات متخصصة للبيئة، وسـنـت الـعـديـد مــن الـقـوانـني لحمايتها، وبذلت األموال من أجل تنميتها، وشاركت بفعالية في املؤتمرات واالتفاقيات الـدولـيـة الخاصة بها، ولكن الـوضـع البيئي لدينا يسير لألسف من سيئ إلى أسوأ حتى غدت بعض مدننا مهددة بتصنيفها ضمن األكثر تلوثًا على مستوى العالم، وأصبحنا نشاهد ليل نهار من يعتدي على املمتلكات ويرمي النفايات دون رادع من حسيب أو رقيب، وكل ذلك با شك مرجعه لغياب املفهوم والعمل وامليثاق واإلستراتيجية البيئية امللزمة لكل األطراف املذكورة سلفًا. إن التسرع في إنشاء جهاز الشرطة البيئية أشبه ما يكون بوضع العربة أمام الحصان، وقد ينتج عنه عشوائية فــي التطبيق وفــرض لـلـغـرامـات دون وجــود مبررات قانونية واضحة وكافية، ما قد يثير ردة فعل الشارع السعودي بشكل معاكس ملا يتوقعه الكثيرون، ولنا في تجربة نظام ساهر خير مثال، فبالرغم من حسناته في تقليل الحوادث وفقد األرواح وتخفيف اإلصابات، وبالرغم من مـرور سنوات على تطبيقه إال إنه ال يـزال يفتقد املهنية الفنية الكافية إلقناع املخالف باستحقاقه للمخالفة في كثير من الحاالت، بل إنه عزز قناعة الكثيرين بأن تحصيل األموال هو أحد أهدافه التي تكللت بالنجاح التام!