Okaz

من قتل صالح؟

-

من املهم التريث في تناول عصر صالح الــذي انقسم إلـى مراحل مختلفة امتدت من يوليو 1978 إلى 21 فبراير 2012 ثم يضاف إليها املرحلة التي تلتها وانتهت بقتله على يد ميليشيات الحوثين في ؛2017 ألن املشاعر التي تحيط بظروف أيامه األخيرة مازالت غامضة تاركة الخياالت تشرح ما جرى حسب هوى كل طرف محبا كان أو حاقدا، ولكن املؤكد أنه سيظل صاحب التأثير األهم في تاريخ اليمن في مرحلة ما بعد 1962 بكل أخطائه وإيجابياته. سيظل تفسير لغز مقتله غير ممكن اآلن، خصوصا أنه جاء بعد أيام قليلة من إعالنه فض الشراكة مع الحوثين بل واالنقالب على كل التفاهمات التي كانت بينهما، وإن لم تصل إلى حد التحالف، والتي بدأت مع انطالق عاصفة الحزم، وكان دخوله فيه متناقضا مع عقلية صالح ونفسيته، واألهم متعارضة مع إيمانه بالنظام الجمهوري كواجهة وليس كممارسة، وكـان يرى فيه سندا للدفاع عن حكمه ضد من كان يصفهم بالكهنوت ودعاة عودة اإلمامة. جاءت املشاهد التي تعمد الحوثيون تصويرها صادمة إنسانيا، وقاموا بتوزيعها عبر وسائل التواصل االجتماعي، وتصرفوا بخسة غير مسبوقة تعطي صـورة جلية لبداية مرحلة من االنتقام والترويع لم تتوقف عند صالح وأقربائه، بل بـدأت تطال الكثير من الذين عملوا معه أو كانوا محسوبن عليه، وكان مدهشا حد الفجيعة كيف تصرفت النساء املنتسبات مليليشياته في قمع مسيرة نسائية كانت تطالب باإلفراج فقط عن جثته، فكيف لو كانت تجمعات للمطالبة بحقوق نهبها الحوثيون وبالحريات العامة والخاصة. سـارت عالقة صالح بالحوثين في منعرجات مختلفة من الكراهية والحرب بن 200٤ إلى ،2010 ثم إلى التفاهم بن 21 يناير 2015 حتى 26 مارس من ذات العام حن بدأت عاصفة الحزم، بعدها زادت محاوالت ردم الفجوة النفسية بينهما إال أن عوامل الشك كانت عميقة إلى حد ال يمكن تجاوزه، واستبعد الحوثيون صالح وحزبه من املشاركة في صنع القرار، وعزلوا كوادر املؤتمر الشعبي العام من كل املواقع في الدولة إال من أظهر لهم الوالء والطاعة، بينما كـان خصومه يصرون على أنـه املدبر واملـديـر لكل ما يفعله الحوثيون، وفرت أغلب قياداته التي أثرت في عهده خوفا من البطش بهم وهو عمل يمكن تبريره إال أن األسوأ كان مشاركتهم في إقناع اإلقليم والعالم بأن غياب صالح سينهي املشكلة في اليمن، وعمدوا إلى تشويه سمعته وكل من بقي معه في الداخل. في كل جريمة سياسية ال يكون املنفذ أكثر من أداة طيعة لسيد أغـراه بمال أو أقنعه بأحقية ما ارتكب أو معتوه ال يدرك تبعات عمله، وفـي كل األحــوال كان الحوثيون الذين ارتكبوا هذا الفعل البشع مجموعة ظهرت على وجوههم وفي كلماتهم أنهم قتلة محترفون زينوا جريمتهم بشعارات تفصح عن عملية تعبئة استمرت لسنوات كانوا يتلهفون خاللها الرتكاب فعلتهم التي بينوا فيها احترافية شديدة دون تردد وال تأنيب ضمير. قتل صالح، وكثيرون ساهموا في هذه النهاية التراجيدية التي ستجعل الوقت يقصر كثيرا للوصول إلى نهاية للمعارك العسكرية التي لم يرغب بها وكان يستعجل وقفها؛ ألنه يدرك أن نهاية الحوثين بنهاية الحرب، وربما كان يتصور أنها ستمنحه عمرا سياسيا جديدا. جاءت نهاية الرجل كمشهد النهاية في روايــات أجاثا كريستي حن يكتشف الـقـارئ أن الضحية قتله كـثـيـرون ألسبابهم الـخـاصـة، مـن الـذيـن رغـبـوا فـي األخــذ بـالـثـأر فـي حالة الحوثي، إلى الطمأنينة عند أعوانه الذين هربوا ولن يشعروا بالحرج بعد اليوم، وكذا خصومه الذين جاء ت نهايته بطريقة تشبع قليال من حقدهم عليه، لكنها منحته قدرا أكبر عند الناس وهبطت بأسهمهم، ويكفي أن نقرأ كيف حرضت داعية سالم الحوثين لقطع رأس األفعى فتنتهي في نظرها محنة اليمنين.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia