Okaz

إعادة بناء التفكير في القضية الفلسطينية

- يحيى األمير

كيف يفكر الشارع السعودي واإلماراتي واملصري والعراقي في القضية الفلسطينية، وملاذا يحمل الشارع العربي في معظمه قاموسا واحدا من الجمل والتعبيرات وحتى املفردات حن يتحدث عن فلسطن؟ يكاد يختفي من ذلك القاموس كل البعد السياسي للقضية وحتى البعد التاريخي ويهيمن عليها بعد واحد هو البعد الديني، وهو ما أدى إلضعاف القضية وربطها باملوقف والقناعة الدينية الوجدانية أكثر من ربطها باملوقف السياسي العملي الذي يستوعب الواقع والتحوالت ويبحث عن الحلول. كانت أبرز أسباب ذلك الواقع أن العدو أصال لديه ذات الجوانب الدينية املرجعية في فهمه للقضية؛ إنها وعد قادم من التوراة بأحقية اليهود في تلك األرض، وفيما شهد الخطاب الديني اليهودي في التعامل مع القضية الفلسطينية تراجعا فعليا لحساب الخطاب السياسي، كانت املعادلة على العكس من ذلك في الواقع العربي؛ تراجع في اللغة الواقعية السياسية واتساع للقاموس الديني الذي دخل مبكرا في تنافس مع خطاب آخر هو الخطاب القومي العروبي، ولكال الخطابن عيوبه ودوره في تراكم الخسائر التي شهدتها القضية. توطدت الدولة الوطنية في العالم العربي بعد انتهاء الحرب العاملية الثانية، وباتت قضايا الحدود واالستقرار والتنمية هي أبرز قضايا تلك الدول، وكلها قضايا يمكن تصنيفها وتحديد املعنين بها، هنا وفي ظل الدولة الوطنية كيف يمكن إدارة قضية ال تصنيف لها وتقع خارج حدود كل دولة والكل معني بها وجدانيا وعاطفيا وقوميا ودينيا. مصر، األردن، لبنان بلدان مـجـاورة لفلسطن كانت الرتــدادا­ت تلك القضية تأثيرات أمنية وعسكرية كبرى عليها أدت في كثير من األحيان لتهديد أمن وبقاء تلك الكيانات، كان التوجه األنسب هو حماية تلك الكيانات من التأثيرات الناجمة عن قيامها بأداء أدوار لصالح القضية الفلسطينية، لم يكن أمامها إال العمل على حماية وحفظ دولها الوطنية وانتهى املطاف بالكثير منها لعقد اتفاقيات سالم مع إسرائيل، كانت االتفاقيات ذكية ومفيدة للحفاظ على أمنها الوطني لكنها لم تكن كذلك بالنسبة للتفكير القومي أو الديني الذي ظل يراها اتفاقيات خذالن وهزيمة وتخٍل عن القضية الفلسطينية. هـذا تحول جديد مـفـاده: أنـه للحفاظ على الـدولـة الوطنية ال بد من استيعاب الـواقـع. أدى ذلـك إلى ترسيخ أن العمل السياسي والـدولـي هو الخيار األبــرز لتحقيق أي انفراج في القضية الفلسطينية وظهر تبعا لذلك مستويان من التعامل: املستوى املباشر وذلك من خالل الدول التي تقيم عالقات مع إسرائيل واملستوى الدولي غير املباشر وذلك مع القوى العظمى الداعمة إلسرائيل، كان أبرز موقف في املستوى الثاني هو الذي اتخذه جاللة امللك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله حن اتجه الستخدام ورقة ضغط كبرى ومفاجئة تتمثل في التهديد بوقف إمدادات النفط العام .1973 بعد ذلك التاريخ بست سنوات دخل العب جديد في القضية وفي املنطقة ومثل الالعب السيئ واألكثر إضرارا ومتاجرة بالقضية؛ الجمهورية اإلسالمية اإليرانية التي جعلت من القضية عامل شرعية لها في العالم اإلسالمي. تمثلت أولــى خطواتها في الـخـروج بالقضية من بعدها العربي الشرق أوسطي إلـى جعلها قضية إسالمية، فاقم ذلك األمر من حالة التشظي التي يشهدها امللف أصال، واتجهت لدعم حركات وخطابات اإلسالم السياسي التي ركزت على إسالمية املعركة وتحويلها إلى شعار وعنوان وتعرضت منذ ذلك الوقت كل القضية الفلسطينية ألسوأ عملية استغالل وتوظيف سياسي وحركي. اتــخــذت جـمـاعـات اإلســـالم السياسي مــن القضية الفلسطينية عـامـل تجييش لـلـشـارع الـعـربـي ضد حكوماته، وروجـــت االنـطـبـا­ع الـعـام بأنهم بـاعـوا القضية وخــذلــوا األمـــة، وعــاد الـقـامـوس العاطفي لالنتشار مجددا واكتسح كل القواميس والخطابات السياسية الرشيدة، وبات ذلك االستغالل البشع للقضية محور كـل األحــزاب والجماعات السياسية الدينية؛ حـزب الـلـه، اإلخــوان املسلمن (انتشرت تسميات القدس واألقصى للكتائب واألجهزة امليليشياو­ية لتلك الجماعات) ودخل ذلك الخطاب إلى التعليم واإلعالم واملنبر في العالم العربي واإلسالمي، وأصبح الصوت األعلى في الحديث والتجييش من أجل القضية هو األكثر كذبا وتجنيا عليها واألقل نفعا لها وللفلسطيني­ن بشكل عام. جـــاءت أحـــداث الـفـوضـى الـتـي شهدتها املنطقة مـنـذ الــعــام 2011 وجـعـلـت فلسطن قضية فــي آخر القائمة، وانشغلت إيـران وجماعات اإلسـالم السياسي بتحقيق املكاسب التي ظلت تخطط لها طيلة تلك السنوات، والتي لم يكن من بينها ما يمثل أية جدوى للقضية الفلسطينية. لعبت الدولة الوطنية باملقابل أدوارا حقيقية ومؤثرة، وتقدمت السعودية مثال بمبادرات تاريخية تهدف لحل القضية إقليميا ودعمت التنمية والجوانب اإلنسانية في فلسطن، ومع ذلك لم توظف القضية ألي مصلحة خاصة، فليست لديها مشكلة في الشرعية لتتكئ على هذه القضية، وفي ذات الوقت عملت مع العالم لخدمة القضية وتخليصها من كونها بضاعة سياسية للمتاجرين بها. الــيــوم ومــع الـقـرار األمريكي بتسمية الـقـدس عاصمة إلسرائيل تظهر الخسائر الكبرى فـي صفوف الالعبن على وتر القضية، ويظهر كيف أضر ذلك التوظيف السياسي للقضية بمستقبلها. خروج حركة حماس من املشهد والتفاف العالم الرافض لهذه الخطوة األمريكية ربما يسهم في العمل على إيجاد حل حقيقي ينطلق من املبادرة العربية، وكل ذلك سيتم بعيدا عن العابثن بالقضية في طهران والدوحة والضاحية أيضا الذين أنهكوا القضية وتاجروا بها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia