صفقة القرن!
منعطف خطير دخلته املنطقة بإعالن الـرئـيـس األمـريـكـي االعــتــراف بالقدس عـاصـمـة مــوحــدة للكيان اإلسرائيلي، ليعيد سيناريو وعد بلفور قبل مئة سنة، حيث من ال يملك أعطى حقا ملن ال يستحق وتحقق، هكذا التاريخ يـعـيـد نـفـسـه فـــي فــلــســطــن، ويـــضـــرب تــرمــب بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط ليصدم األمة العربية واإلسالمية واملجتمع الدولي بصفقة القرن التي وعد بها للسالم، فـإذا بها هديته لالحتالل كارثة على أي جهود للحل الذي طاملا عرقلته إسرائيل للتمدد وفرض واقع أكثر تعقيدا. كلمة الرئيس األمريكي استفزت مشاعر الـــغـــضـــب لــــــدى مـــلـــيـــار ونــــصــــف املليار مسلم، وسطرت للتاريخ مساحات سوداء جديدة لسياسة الـواليـات املتحدة تجاه الحقوق الفلسطينية املـشـروعـة، ووفرت مــظــلــة ورافـــــعـــــة ســيــاســيــة واقتصادية وتسليحية لالحتالل اإلسرائيلي، وغطاء لكل جـرائـمـه بحق األرض واإلنــســان في فلسطن املحتلة بما فيها الــقــدس وفي القلب منها املسجد األقصى األسير. إصـرار اإلدارة األمريكية وبهذه الخطوة الـــخـــطـــيـــرة املـــتـــخـــبـــطـــة، يــكــشــف حقيقة تماديها فـي التماهي مـع املـشـروع الصهيوني الذي ال حـدود ألطماعه، فالقرار أعلنه ترمب بزهو ووقعه على طريقته التليفزيونية، ومغازلة إسرائيل بجريمة ســيــاســيــة عــلــى حــســاب الــحــق الــعــربــي الفلسطيني، وتجاهل وضع القدس التي هي قضية األمتن العربية واإلسالمية وال تزال حية في الضمير العاملي، وأصر على الخداع بألفاظ ومصطلحات لم يعد لها محل من اإلعراب بكل اللغات، عندما يتحدث عن حل الدولتن بالحوار واملفاوضات والتزام الهدوء وانتظار السالم، لكن عبر االعــتــراف بكامل الـقـدس عاصمة إلسرائيل التي دعـا لها أن يباركها الــرب. فـأي حــوار، وأي حل، وأي سالم، وقد قطع كل السبل إليها جميعا. الـــقـــرار غــيــر الــصــائــب يـعـكـس أزمــــات داخــلــيــة صعبة تــحــاصــر الـــرئـــيـــس األمـــريـــكـــي ويــبــحــث عــــن مخارج يستميل بــهــا الــلــوبــي الــصــهــيــونــي، وتــعــكــس الجهل بـحـقـائـق الـقـضـيـة والــتــاريــخ، فـتـصـرف وكــأنــه امتلك العالم والحق العربي، لهذا اشتعل الغضب وتفجرت املـــرارة مـن صلف قتل مـا تبقى مـن أمــل قليل وباهت فــي حــل الـقـضـيـة الــــذي تـخـضـع فــيــه الــقــدس املحتلة لــلــمــفــاوضــات الــنــهــائــيــة بـــن الـــطـــرفـــن الفلسطيني واإلســرائــيــلــي بــاعــتــبــارهــا األكـــثـــر حــســاســيــة ماضيا وحاضرا ومستقبال وطاملا ظلت محتلة من إسرائيل عام .67 لــكــن رغـــــم صـــالفـــة الـــخـــطـــوة األمريكية فــــإن الـــقـــدس املــحــتــلــة لـــن تــفــقــد هويتها وشرعيتها الفلسطينية العربية اإلسالمية طـبـقـا لــلــقــرارات الــدولــيــة، وقــــرار منظمة الـيـونـسـكـو بــشــأن األقــصــى. واألمــــة بقدر صدمتها ورفضها لقرار واشنطن، تدرك جيدا أن تلك الخطوة الكارثية لن تؤثر عـلـى مصير ومستقبل الــقــدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطن، وأن ما يحدث هــو فـصـل مــن فــصــول الــصــراع الطويل، مهما كانت دوافع الرئيس األمريكي الذي اغتال دور واشنطن في أية تسوية، وقد حذرت العواصم بوضوح من أن املنطقة ستتعرض الحتماالت خطيرة، لذلك يظل التحرك العربي واإلسـالمـي الفاعل حتميا على كافة األصـعـدة اإلقليمية والدولية وحشد الرفض العاملي لـلـقـرار األمـريـكـي عـبـر قـــرار أمــمــي، واسـتـثـمـار املوقف األوروبــــي والــصــن وروســيــا للتعامل مــع التداعيات حتى ال يتسع الخرق على الـراقـع بمسلسل اعترافات بـالـقـدس عاصمة لـالحـتـالل، ال بـد مـن مـحـاصـرة هذا القرار الــذي يفتقد إلـى الشرعية واملجرد من أي سند قانوني وأخالقي ودون ضمير سياسي وإنساني. ال بد من اصطفاف فلسطيني وعربي وإسالمي قوي يتصدى لتداعيات القرار األمريكي، فالقدس املحتلة قضية أمة ممتدة وتؤيدها عواصم في أصقاع األرض حـتـى ال تـمـر صفقة الــقــرن الترمبية عـلـى جـسـد هذه األمــة وجثة الضمير الـعـاملـي، ولــن يضيع حـق وراءه مطالب.