Okaz

صفقة القرن!

- د. إبراهيم إسماعيل كتبي

منعطف خطير دخلته املنطقة بإعالن الـرئـيـس األمـريـكـ­ي االعــتــر­اف بالقدس عـاصـمـة مــوحــدة للكيان اإلسرائيلي، ليعيد سيناريو وعد بلفور قبل مئة سنة، حيث من ال يملك أعطى حقا ملن ال يستحق وتحقق، هكذا التاريخ يـعـيـد نـفـسـه فـــي فــلــســط­ــن، ويـــضـــر­ب تــرمــب بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط ليصدم األمة العربية واإلسالمية واملجتمع الدولي بصفقة القرن التي وعد بها للسالم، فـإذا بها هديته لالحتالل كارثة على أي جهود للحل الذي طاملا عرقلته إسرائيل للتمدد وفرض واقع أكثر تعقيدا. كلمة الرئيس األمريكي استفزت مشاعر الـــغـــض­ـــب لــــــدى مـــلـــيـ­ــار ونــــصـــ­ـف املليار مسلم، وسطرت للتاريخ مساحات سوداء جديدة لسياسة الـواليـات املتحدة تجاه الحقوق الفلسطينية املـشـروعـ­ة، ووفرت مــظــلــة ورافـــــع­ـــــة ســيــاســ­يــة واقتصادية وتسليحية لالحتالل اإلسرائيلي، وغطاء لكل جـرائـمـه بحق األرض واإلنــســ­ان في فلسطن املحتلة بما فيها الــقــدس وفي القلب منها املسجد األقصى األسير. إصـرار اإلدارة األمريكية وبهذه الخطوة الـــخـــط­ـــيـــرة املـــتـــ­خـــبـــطـ­ــة، يــكــشــف حقيقة تماديها فـي التماهي مـع املـشـروع الصهيوني الذي ال حـدود ألطماعه، فالقرار أعلنه ترمب بزهو ووقعه على طريقته التليفزيون­ية، ومغازلة إسرائيل بجريمة ســيــاســ­يــة عــلــى حــســاب الــحــق الــعــربـ­ـي الفلسطيني، وتجاهل وضع القدس التي هي قضية األمتن العربية واإلسالمية وال تزال حية في الضمير العاملي، وأصر على الخداع بألفاظ ومصطلحات لم يعد لها محل من اإلعراب بكل اللغات، عندما يتحدث عن حل الدولتن بالحوار واملفاوضات والتزام الهدوء وانتظار السالم، لكن عبر االعــتــر­اف بكامل الـقـدس عاصمة إلسرائيل التي دعـا لها أن يباركها الــرب. فـأي حــوار، وأي حل، وأي سالم، وقد قطع كل السبل إليها جميعا. الـــقـــر­ار غــيــر الــصــائـ­ـب يـعـكـس أزمــــات داخــلــيـ­ـة صعبة تــحــاصــ­ر الـــرئـــ­يـــس األمـــريـ­ــكـــي ويــبــحــ­ث عــــن مخارج يستميل بــهــا الــلــوبـ­ـي الــصــهــ­يــونــي، وتــعــكــ­س الجهل بـحـقـائـق الـقـضـيـة والــتــار­يــخ، فـتـصـرف وكــأنــه امتلك العالم والحق العربي، لهذا اشتعل الغضب وتفجرت املـــرارة مـن صلف قتل مـا تبقى مـن أمــل قليل وباهت فــي حــل الـقـضـيـة الــــذي تـخـضـع فــيــه الــقــدس املحتلة لــلــمــف­ــاوضــات الــنــهــ­ائــيــة بـــن الـــطـــر­فـــن الفلسطيني واإلســرائ­ــيــلــي بــاعــتــ­بــارهــا األكـــثــ­ـر حــســاســ­يــة ماضيا وحاضرا ومستقبال وطاملا ظلت محتلة من إسرائيل عام .67 لــكــن رغـــــم صـــالفـــ­ة الـــخـــط­ـــوة األمريكية فــــإن الـــقـــد­س املــحــتـ­ـلــة لـــن تــفــقــد هويتها وشرعيتها الفلسطينية العربية اإلسالمية طـبـقـا لــلــقــر­ارات الــدولــي­ــة، وقــــرار منظمة الـيـونـسـ­كـو بــشــأن األقــصــى. واألمــــة بقدر صدمتها ورفضها لقرار واشنطن، تدرك جيدا أن تلك الخطوة الكارثية لن تؤثر عـلـى مصير ومستقبل الــقــدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطن، وأن ما يحدث هــو فـصـل مــن فــصــول الــصــراع الطويل، مهما كانت دوافع الرئيس األمريكي الذي اغتال دور واشنطن في أية تسوية، وقد حذرت العواصم بوضوح من أن املنطقة ستتعرض الحتماالت خطيرة، لذلك يظل التحرك العربي واإلسـالمـ­ي الفاعل حتميا على كافة األصـعـدة اإلقليمية والدولية وحشد الرفض العاملي لـلـقـرار األمـريـكـ­ي عـبـر قـــرار أمــمــي، واسـتـثـمـ­ار املوقف األوروبـــ­ـي والــصــن وروســيــا للتعامل مــع التداعيات حتى ال يتسع الخرق على الـراقـع بمسلسل اعترافات بـالـقـدس عاصمة لـالحـتـال­ل، ال بـد مـن مـحـاصـرة هذا القرار الــذي يفتقد إلـى الشرعية واملجرد من أي سند قانوني وأخالقي ودون ضمير سياسي وإنساني. ال بد من اصطفاف فلسطيني وعربي وإسالمي قوي يتصدى لتداعيات القرار األمريكي، فالقدس املحتلة قضية أمة ممتدة وتؤيدها عواصم في أصقاع األرض حـتـى ال تـمـر صفقة الــقــرن الترمبية عـلـى جـسـد هذه األمــة وجثة الضمير الـعـاملـي، ولــن يضيع حـق وراءه مطالب.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia