Okaz

اليقينيات القطعيات

تسويغ فكر «الصحوة» من خالل

- محمد حسين الدوسري *

لــيــس لــــدي شـــك بــــأن الــصــحــ­وة ومــســارا­تــهــا ومناهجها وبالتالي فكرها ال يــزال مــوجــودًا، ومــن كــان شـاهـدًا على وقــائــع الــصــحــ­وة ومـــا أحــدثــتـ­ـه مــن شـــروخ عميقة فكرية واجتماعية وسياسية وثقافية ال يمكن أن تخطئ عيناه كل قـول أو مسار يتبنى طـرح الفكر االعتقادي بتصوير الـيـقـيـن­ـيـات ثــم يـجـعـل خـالـهـا تـسـويـغـا ملــســار الصحوة اإلسامية التي قد ثبت يقينًا لدى كل صاحب فكر ونقد حقيقي أنها كانت وباال على مجتمعنا، وقد أعاقت تقدم شبابنا ومجتمعاتنا ودولنا، بل إنها زرعـت في العقول تدينًا متشددًا ال يكاد املرء أو الشاب أو الفتاة التي تأثرت بملوثات وأمــراض وفيروسات تلك املـسـارات الصحوية، إن الخطأ فــي التنزيل يجعل رؤيـــة األمـــور وتصوراتها تــتــنــا­قــض مــــع قــطــعــي­ــات نـــصـــوص الـــشـــر­يـــعـــة املتعلقة واملرتبطة ارتباطًا ذاتيًا وليس عرضيًا بصور وجزئيات الحياة وكيفية طرح الفهوم الحقيقية لتلك الشريعة وما ترمي إليه من تحقيق للمقاصد التي يراد منها االرتقاء بـهـذا اإلنــســا­ن إلــى السمو واالنـعـتـ­اق مـن كـل سلبيات قد تعكر صفو الحياة. فـقـد كــان مــوضــوع مــقــال «املــواقــ­ف مــن األلــفــا­ظ املجملة» ألحمد الرضيمان، املنشور يــوم األحــد ـــــه1439/03/15 املوافق ،م2017/12/03 وقد خلط خلطًا شنيعًا بعرضه ما تحدث عنه علماء أهل السنة في خافاتهم مع األشاعرة واملاتريدي­ة واملعتزلة وخصوصًا في األسماء والصفات، وهي خافات ال تكاد يكون لها أي أثر في الحياة العملية في وقتنا املعاصر، بل إن من يعرف تاريخ تلك الخافات فإنه يتبني له أنها خافات نظرية وجدلية فلسفية ال تكاد أن يكون لها أثر حقيقي في حياة الناس مثل الخاف مع فرق تؤول وترتبط أقوالها ومبادئها بتغيير الحكومات والقتل والتدمير مثل فكر الـخـوارج التدميري، ثم أدخل الــكــاتـ­ـب الــصــحــ­وة اإلســامــ­يــة كـلـفـظ مـجـمـل مــثــل مسألة الــصــفــ­ات فــي مـسـائـل االعــتــق­ــاد فــقــال: «ومـــن تـلـك األلفاظ الــحــادث­ــة مـصـطـلـح الــصــحــ­وة، هـــذا الــلــفــ­ظ يـطـلـقـه بعض الـنـاس على مـن سلك طريقة الحزبيني، ويطلقه آخرون عـلـى الـنـشـاط فــي التمسك بـأحـكـام الـشـريـعـ­ة، فـصـار هذا اللفظ املحدث املجمل غطاء لطائفتني خاطئتني، إحداهما: تروج للصحوة الحزبية، مستدلني بمدح بعض الفضاء للصحوة، مع علمهم بـأن الصحوة التي يمدحها أولئك الفضاء ليست صحوتهم الحزبية، لكنهم يفعلون ذلك للتلبيس. وثانيهما: الذين يستغلون نقد بعض الفضاء للصحوة في نقد كثير ممن نشط في التمسك بأحكام الشريعة، بعد أن كان غافا عن بعضها، مع علمهم بأن الصحوة التي يـذمـهـا أولــئــك الـفـضـاء، هــي الـصـحـوة الـحـزبـيـ­ة التابعة لجماعة اإلخــوان املتزامنة مع الثورة الخمينية، وليست إقـــبـــا­ل الـــنـــا­س عــلــى ديــنــهــ­م بــنــشــا­ط، الــتــي يسميها

ُُ بــعــض الــفــضــ­اء صــحــوة، واألولــــ­ــى أال ّّ تسمى بذلك، فاأللفاظ الشرعية، فيها غنية عن هذه األلفاظ املجملة». وهـــذا خـلـط عـجـيـب وتـضـلـيـل مضلل في وقت وزمن نحن بحاجة حقيقية إلــى الـنـقـد الحقيقي واالعــتــ­راف بما ارتـــكـــ­بـــتـــه تـــلـــك الـــصـــح­ـــوة التي كانت تعمق جراح مجتمعاتنا وأثـــــــ­ــرت فـــــي شـــبـــاب­ـــنـــا تأثيرًا خــطــيــرًا قـــد نــتــج عــنــهــا القتل والتدمير، فـا يمكن قبول أن تــكــون الــصــحــ­وة مـــن األلفاظ املجملة بــل هــي ال عـاقـة لها بــــهــــ­ذا املـــــوض­ـــــوع يــقــيــن­ــًا ألن مــقــصــو­د عــلــمــا­ء االعــتــق­ــاد ومن ألفوا في هذا املوضوع هو األلفاظ املـتـعـلـ­قـة بــاالعــت­ــقــادات أو بــمــا يسميه بعض العلماء األصول االعتقادية مثل األسماء والصفات وإطـاق لفظ القديم ومسألة الحوادث وتسلسل الصفات كالجسم والجوهر والتحيز والجهة والتركيب والتعني واالســـتـ­ــواء عـلـى الــعــرش، فـالـكـلـم­ـات املــجــمـ­ـلــة أو األلفاظ املجملة هي ما (يــرد في كتب العقائد مصطلح الكلمات املجملة أو األلفاظ املجملة. واملقصود بالكلمات املجملة: أنـهـا ألــفــاظ يطلقها أهــل التعطيل، أو: هــي مصطلحات أحدثها أهل الكام. ومعنى كونها مجملة: أي أنها تحتمل حقًا وباطا. أو يقال: ألنها ألفاظ مشتركة بني معان صحيحة، ومعان باطلة، أو يقال: لخفاء املـراد منها؛ بحيث ال يدرك معنى اللفظ إال بعد االستفصال واالستفسار. فــأمــا إدخــــال مـصـطـلـح الــصــحــ­وة وجـعـلـهـا لـفـظـًا مجما فــهــو تــهــويــ­ن وتـمـيـيـع وتـضـيـيـع إلشــكــال­ــيــات وطـــــوام ما فعلته الصحوة فـي مجتمعاتنا ومــا فعلته في عــقــول وأفـــكـــ­ار شـبـابـنـا ومـــا أحــدثــتـ­ـه من وقـائـع وأحـــداث كارثية نتج عنها القتل والـتـدمـي­ـر بــل إنـهـا ال تـــزال تصورنا أنـنـا مجتمع منغلق ومتشدد وجعلتنا نرمى بكل السلبيات وذلـــك مــن جـــراء مــا فعلته تلك الصحوة املشؤومة، وتلك األفكار الـصـحـويـ­ة بثقافتها وتاريخها ومنعرجاتها ظلت مترسخة في مـجـتـمـعـ­اتـنـا مــهــابــ­ة لــم يتجرأ أحــــد عــلــى إيـــصـــا­ل الشكوك والــــظــ­ــنــــون فــــي يقيناتها التي تشربها هؤالء األغرار في جميع أراضـي املسلمني وخـصـوصـًا فــي بــادنــا. وتلك الـذهـنـيـ­ة والـعـقـلـ­يـة الــتــي رسخت الفكر الـصـحـوي ألمـــور الـتـديـن سواء في تكوين الدولة الحديثة املعاصرة وعاقاتها الخارجية أم كان ذلك في التنظيمات والقوانني الحديثة التي تنظم املـجـتـمـ­عـات وتــرتــقـ­ـي بـهـا إلـــى الــتــطــ­ور والــتــقـ­ـدم، أم كان ذلــك فـي التعامل مـع اآلخــر املخالف لدينها أم مـع اآلخر املــخــال­ــف العــتــقـ­ـادهــا أم املــخــال­ــف لـهـا سـلـوكـيـًا وأخاقيًا جعلت املجتمع ضعيف الفكر أمام تلك األفكار اإلرهابية (الجهادية)، فأصبح من أغرارنا من يجرؤ أن يفجر نفسه في بيوت الله عز وجل، وهذه مرحلة متقدمة في اإليغال فـي تهافت الفكر واضمحال لعقل أولـئـك األغـــرار؛ وذلك بقبولهم أن يصبحوا أدوات تفجير مادية لتقتيل األبرياء وتشويه صورة الدين النقية. وكذلك فإن الفكر الصحوي الذي سيطر لعقود طويلة جعل أفـراد املجتمع محتقنني ومنغلقني أمام التنوير الفكري، ما جعل حتى كبار السن الــذيــن ال يـجـيـدون الــقــراء­ة وال يحسنون الـكـتـابـ­ة وليس لديهم أدنى مبادئ املعارف أن يكونوا فرحني مستبشرين بتلك التفجيرات والقتل لألبرياء. لـــذا فـــإن الـخـلـط بــني األفــعــا­ل والــتــصـ­ـرفــات الــتــي تـقـع في املجتمعات املختلفة فـي واقعنا املعاصر وعــدم التمييز بينها وعـزلـهـا عــن ثـقـافـة مجتمعاتها وإسـقـاطـه­ـا على فـهـوم الـعـامـة مـن الـنـاس لسطحيات الـتـديـن وإســقــاط ما قصدته الصحوة بفكرها خال ثاثة عقود من محاصرة أفـراد املجتمع بفكرها ومقاصدها الاعقانية الهامية، يوضح بشكل عنيف وصادم أن ما تم بثه في مجتمعاتنا العربية والـسـعـود­يـة على وجــه الخصوص كــان لـه األثر العميق لدى البعض في ترسيخ صور الكراهية والعنف والحقد والحسد وتمني الدمار لآلخر. ولقد تم استئصال فكر التسامح والتعاطف اإلنساني مع بني البشر األبرياء الذين ال عاقة لهم ال بالسياسات وال بالفكر سواء الفلسفي العلماني أو الديني األصولي املسيحي أو اليهودي لدى اآلخر.

 ??  ??
 ??  ?? محمد الدوسري
محمد الدوسري

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia