اليقينيات القطعيات
تسويغ فكر «الصحوة» من خالل
لــيــس لــــدي شـــك بــــأن الــصــحــوة ومــســاراتــهــا ومناهجها وبالتالي فكرها ال يــزال مــوجــودًا، ومــن كــان شـاهـدًا على وقــائــع الــصــحــوة ومـــا أحــدثــتــه مــن شـــروخ عميقة فكرية واجتماعية وسياسية وثقافية ال يمكن أن تخطئ عيناه كل قـول أو مسار يتبنى طـرح الفكر االعتقادي بتصوير الـيـقـيـنـيـات ثــم يـجـعـل خـالـهـا تـسـويـغـا ملــســار الصحوة اإلسامية التي قد ثبت يقينًا لدى كل صاحب فكر ونقد حقيقي أنها كانت وباال على مجتمعنا، وقد أعاقت تقدم شبابنا ومجتمعاتنا ودولنا، بل إنها زرعـت في العقول تدينًا متشددًا ال يكاد املرء أو الشاب أو الفتاة التي تأثرت بملوثات وأمــراض وفيروسات تلك املـسـارات الصحوية، إن الخطأ فــي التنزيل يجعل رؤيـــة األمـــور وتصوراتها تــتــنــاقــض مــــع قــطــعــيــات نـــصـــوص الـــشـــريـــعـــة املتعلقة واملرتبطة ارتباطًا ذاتيًا وليس عرضيًا بصور وجزئيات الحياة وكيفية طرح الفهوم الحقيقية لتلك الشريعة وما ترمي إليه من تحقيق للمقاصد التي يراد منها االرتقاء بـهـذا اإلنــســان إلــى السمو واالنـعـتـاق مـن كـل سلبيات قد تعكر صفو الحياة. فـقـد كــان مــوضــوع مــقــال «املــواقــف مــن األلــفــاظ املجملة» ألحمد الرضيمان، املنشور يــوم األحــد ـــــه1439/03/15 املوافق ،م2017/12/03 وقد خلط خلطًا شنيعًا بعرضه ما تحدث عنه علماء أهل السنة في خافاتهم مع األشاعرة واملاتريدية واملعتزلة وخصوصًا في األسماء والصفات، وهي خافات ال تكاد يكون لها أي أثر في الحياة العملية في وقتنا املعاصر، بل إن من يعرف تاريخ تلك الخافات فإنه يتبني له أنها خافات نظرية وجدلية فلسفية ال تكاد أن يكون لها أثر حقيقي في حياة الناس مثل الخاف مع فرق تؤول وترتبط أقوالها ومبادئها بتغيير الحكومات والقتل والتدمير مثل فكر الـخـوارج التدميري، ثم أدخل الــكــاتــب الــصــحــوة اإلســامــيــة كـلـفـظ مـجـمـل مــثــل مسألة الــصــفــات فــي مـسـائـل االعــتــقــاد فــقــال: «ومـــن تـلـك األلفاظ الــحــادثــة مـصـطـلـح الــصــحــوة، هـــذا الــلــفــظ يـطـلـقـه بعض الـنـاس على مـن سلك طريقة الحزبيني، ويطلقه آخرون عـلـى الـنـشـاط فــي التمسك بـأحـكـام الـشـريـعـة، فـصـار هذا اللفظ املحدث املجمل غطاء لطائفتني خاطئتني، إحداهما: تروج للصحوة الحزبية، مستدلني بمدح بعض الفضاء للصحوة، مع علمهم بـأن الصحوة التي يمدحها أولئك الفضاء ليست صحوتهم الحزبية، لكنهم يفعلون ذلك للتلبيس. وثانيهما: الذين يستغلون نقد بعض الفضاء للصحوة في نقد كثير ممن نشط في التمسك بأحكام الشريعة، بعد أن كان غافا عن بعضها، مع علمهم بأن الصحوة التي يـذمـهـا أولــئــك الـفـضـاء، هــي الـصـحـوة الـحـزبـيـة التابعة لجماعة اإلخــوان املتزامنة مع الثورة الخمينية، وليست إقـــبـــال الـــنـــاس عــلــى ديــنــهــم بــنــشــاط، الــتــي يسميها
ُُ بــعــض الــفــضــاء صــحــوة، واألولــــــى أال ّّ تسمى بذلك، فاأللفاظ الشرعية، فيها غنية عن هذه األلفاظ املجملة». وهـــذا خـلـط عـجـيـب وتـضـلـيـل مضلل في وقت وزمن نحن بحاجة حقيقية إلــى الـنـقـد الحقيقي واالعــتــراف بما ارتـــكـــبـــتـــه تـــلـــك الـــصـــحـــوة التي كانت تعمق جراح مجتمعاتنا وأثـــــــــرت فـــــي شـــبـــابـــنـــا تأثيرًا خــطــيــرًا قـــد نــتــج عــنــهــا القتل والتدمير، فـا يمكن قبول أن تــكــون الــصــحــوة مـــن األلفاظ املجملة بــل هــي ال عـاقـة لها بــــهــــذا املـــــوضـــــوع يــقــيــنــًا ألن مــقــصــود عــلــمــاء االعــتــقــاد ومن ألفوا في هذا املوضوع هو األلفاظ املـتـعـلـقـة بــاالعــتــقــادات أو بــمــا يسميه بعض العلماء األصول االعتقادية مثل األسماء والصفات وإطـاق لفظ القديم ومسألة الحوادث وتسلسل الصفات كالجسم والجوهر والتحيز والجهة والتركيب والتعني واالســـتـــواء عـلـى الــعــرش، فـالـكـلـمـات املــجــمــلــة أو األلفاظ املجملة هي ما (يــرد في كتب العقائد مصطلح الكلمات املجملة أو األلفاظ املجملة. واملقصود بالكلمات املجملة: أنـهـا ألــفــاظ يطلقها أهــل التعطيل، أو: هــي مصطلحات أحدثها أهل الكام. ومعنى كونها مجملة: أي أنها تحتمل حقًا وباطا. أو يقال: ألنها ألفاظ مشتركة بني معان صحيحة، ومعان باطلة، أو يقال: لخفاء املـراد منها؛ بحيث ال يدرك معنى اللفظ إال بعد االستفصال واالستفسار. فــأمــا إدخــــال مـصـطـلـح الــصــحــوة وجـعـلـهـا لـفـظـًا مجما فــهــو تــهــويــن وتـمـيـيـع وتـضـيـيـع إلشــكــالــيــات وطـــــوام ما فعلته الصحوة فـي مجتمعاتنا ومــا فعلته في عــقــول وأفـــكـــار شـبـابـنـا ومـــا أحــدثــتــه من وقـائـع وأحـــداث كارثية نتج عنها القتل والـتـدمـيـر بــل إنـهـا ال تـــزال تصورنا أنـنـا مجتمع منغلق ومتشدد وجعلتنا نرمى بكل السلبيات وذلـــك مــن جـــراء مــا فعلته تلك الصحوة املشؤومة، وتلك األفكار الـصـحـويـة بثقافتها وتاريخها ومنعرجاتها ظلت مترسخة في مـجـتـمـعـاتـنـا مــهــابــة لــم يتجرأ أحــــد عــلــى إيـــصـــال الشكوك والــــظــــنــــون فــــي يقيناتها التي تشربها هؤالء األغرار في جميع أراضـي املسلمني وخـصـوصـًا فــي بــادنــا. وتلك الـذهـنـيـة والـعـقـلـيـة الــتــي رسخت الفكر الـصـحـوي ألمـــور الـتـديـن سواء في تكوين الدولة الحديثة املعاصرة وعاقاتها الخارجية أم كان ذلك في التنظيمات والقوانني الحديثة التي تنظم املـجـتـمـعـات وتــرتــقــي بـهـا إلـــى الــتــطــور والــتــقــدم، أم كان ذلــك فـي التعامل مـع اآلخــر املخالف لدينها أم مـع اآلخر املــخــالــف العــتــقــادهــا أم املــخــالــف لـهـا سـلـوكـيـًا وأخاقيًا جعلت املجتمع ضعيف الفكر أمام تلك األفكار اإلرهابية (الجهادية)، فأصبح من أغرارنا من يجرؤ أن يفجر نفسه في بيوت الله عز وجل، وهذه مرحلة متقدمة في اإليغال فـي تهافت الفكر واضمحال لعقل أولـئـك األغـــرار؛ وذلك بقبولهم أن يصبحوا أدوات تفجير مادية لتقتيل األبرياء وتشويه صورة الدين النقية. وكذلك فإن الفكر الصحوي الذي سيطر لعقود طويلة جعل أفـراد املجتمع محتقنني ومنغلقني أمام التنوير الفكري، ما جعل حتى كبار السن الــذيــن ال يـجـيـدون الــقــراءة وال يحسنون الـكـتـابـة وليس لديهم أدنى مبادئ املعارف أن يكونوا فرحني مستبشرين بتلك التفجيرات والقتل لألبرياء. لـــذا فـــإن الـخـلـط بــني األفــعــال والــتــصــرفــات الــتــي تـقـع في املجتمعات املختلفة فـي واقعنا املعاصر وعــدم التمييز بينها وعـزلـهـا عــن ثـقـافـة مجتمعاتها وإسـقـاطـهـا على فـهـوم الـعـامـة مـن الـنـاس لسطحيات الـتـديـن وإســقــاط ما قصدته الصحوة بفكرها خال ثاثة عقود من محاصرة أفـراد املجتمع بفكرها ومقاصدها الاعقانية الهامية، يوضح بشكل عنيف وصادم أن ما تم بثه في مجتمعاتنا العربية والـسـعـوديـة على وجــه الخصوص كــان لـه األثر العميق لدى البعض في ترسيخ صور الكراهية والعنف والحقد والحسد وتمني الدمار لآلخر. ولقد تم استئصال فكر التسامح والتعاطف اإلنساني مع بني البشر األبرياء الذين ال عاقة لهم ال بالسياسات وال بالفكر سواء الفلسفي العلماني أو الديني األصولي املسيحي أو اليهودي لدى اآلخر.