Okaz

إماتة الرمز وترميز املوتى

-

تلعب األقدار لعبتها مع الرموز. كان هابيل رمزًا في عني قابيل فسولت النفس قتله، وفي أدبيات العرب، الكثير من الشعر والنثر، عن الحظوظ الرديئة للمبدعني مع أقوامهم، بسبب منافسة األنداد، وحقد األضداد، وبلغت املــنــاف­ــســة أوجــهــا بــني بــنــي أمــيــة وبــنــي هــاشــم، اللتني تنتميان إلى عمومة واحدة من بطن بني عبد مناف. وأبو جهل مع قرابته للنبي عليه الصالة والسالم رفض اإليمان به، وملا سأله األخنس بن شريق: أتـرى محمدًا يكذب؟ أجاب: ما كذب قط، ولكن إذا كان في بني هاشم السقاية والـرفـادة واملشورة ثم تكون فيهم النبوة فأي شيء لبني مخزوم؟ أو «كنا وبنو هاشم كفرسي رهان، أطعموا فأطعمنا، وسقوا فسقينا، ورفدوا فرفدنا، حتى إذا تحاكت الركب، قالوا: منا نبي، فمن أين لنا ذلك»؟. لم يكن املتنبي أوفر حظًا من جده امللك الضليل امرئ الـقـيـس، فــالــعــ­داء لــه، والــوشــا­يــة بــه كـانـت عـلـى أشدها، حتى نفث بركانه في بيانه مبديًا تعجبه «مـاذا لقيت مــن الــدنــيـ­ـا وأهـــونــ­ـه، أنـــي بـمـا أنـــا شـــاك مـنـه محسود» و«يا أعدل الناس إال في معاملتي، فيك الخصام وأنت الخصم والحكم»، واملجتمع العربي يكره رموزه غالبًا، ويعنى بتفتيش حياتهم، لرصد مظان الخلل والنقص، وإعالء شأن املثالب، والسعي الحثيث إلماتة الرمز في حياته. حقبة الـصـحـوة تـحـديـدًا، شـهـدت تــطــاوال على قامات بـحـجـم الـــراحــ­ـل غــــازي الــقــصــ­يــبــي، وغــــدا الـــرجـــ­ل محل تـخـويـن ونــعــت بـالـعـمـا­لـة، واتــهــام بــالــزنـ­ـدقــة والسعي إلفـسـاد الــديــن، ورددنـــا ذلــك على منابر الجمعة، وفي الندوات واملحاضرات، واكتشفنا الحقًا أن القصيبي من أنظف الناس قلبًا ويـدًا وعطاء، بل هو أنظف بمراحل ممن نعتوه باطال وزورًا بما ليس فيه. إال أنها منافسة الحزبيني الذين ال يهدأ لهم بال إال بإماتة منافسهم على الشعبية من الرموز، بناء على فتاوى رموزهم املوتى. وإذا كانت األسرة، والعائلة، والقبيلة، واملنطقة والحزب مؤججة حقد على الرمز، فمن أين له الركن الشديد الذي يــأوي إلــيــه؟،. بـاألمـس ذكــرنــي الــرائــد محمد القشعمي بــرفــض أدبــــي الــبــاحـ­ـة مــنــذ 20 عــامــًا، تــكــريــ­م الروائي عبدالعزيز مشري، فقلت له: لعله لم يكن الرفض بسبب حــداثــتـ­ـه، أو الخــتــرا­ق األيــديــ­ولــوجــيـ­ـا مـجـلـس اإلدارة، وإنــمــا هــو تــنــافــ­س األقــــــ­ران، فــكــل قــــروي يــشــوف نفسه أحسن الناس، ويرفض الرمز الحي، بينما كل مقوالته ونقوالته عن رمزه امليت.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia