القدس.. سراديب احلكاية !

قـبـل 70 عـامـا احـتـلـت إسـرائـيـل مــا يسمى الــيــوم بـالـقـدس الـغـربـيـة وبـقـيـت القدس الشرقية التاريخية في عهدة األردن، وقبل 50 عاما احتلت إسرائيل كامل مدينة القدس بعد أن هزمت الجيوش العربية في (نكسة ) مشهودة وكان للدعم العسكري األمريكي والغربي تأثيره الكبير في انتصار إسرائيل الساحق املـاحـق، وقبل 37 عاما تجرأت إسرائيل وأعلنت القدس عاصمة موحدة إلسرائيل متحدية كل القرارات الدولية وذلك بعد أن وقعت اتفاقية السالم مع السادات واطمأنت نسبيا إلى سقوط الخيار العسكري عند العرب بعد خـروج جيش مصر من املعادلة، ولكن الواليات املـتـحـدة تــصــدرت طــابــور املحتجني عـلـى هــذا الــقــرار ونـقـلـت سـفـارتـهـا مــن القدس الغربية إلـى تل أبيب، وقبل أكثر من ربـع قـرن أضـاع صـدام حسني بوصلة القدس التي كان ينادي بتحريرها واحتلت جيوشه الكويت في مفاجأة تاريخية قسمت العرب إلى معسكرين، إذ وقفت بعض الدول العربية ومن خلفها القوميون العرب واإلخوان املسلمون في معسكر صدام، وكانت القيادة الفلسطينية ضمن من وقفوا مع هذا املعسكر الجائر لألسف الشديد، وعلى الجانب اآلخر وقفت السعودية ومصر وبقية دول الخليج في معسكر تحرير الكويت عبر االستعانة بجيوش الواليات املتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها مـن الـــدول.. وكــان مـن النتائج املباشرة لهذه الكارثة التاريخية واالنقسام العربي الكبير توقيع منظمة التحرير الفلسطينية واألردن اتفاقيات سـالم مع إسرائيل، وفـي هـذه األجــواء العربية املثخنة بالجراح حانت الفرصة للكونغرس األمريكي كي يصدر القانون الذي يلزم الرئيس األمريكي بنقل السفارة األمريكية إلى القدس حيث لم يعد ثمة عالم عربي يستحق أن يحسب له األمريكيون أو اإلسرائيليون حسابا.. ولكن رؤساء أمريكا املتعاقبني: (كلينتون، بــوش االبـــن، أوبــامــا) فضلوا تأجيل الــقــرار لستة أشـهـر تعقبها ستة أشـهـر أخرى وهـكـذا.. وكأنهم ينتظرون انهيارات أكبر في العالم العربي واإلســالمــي، وهــذا ما حدث بالفعل، إذ استغلت إسرائيل أحـداث الحادي عشر من سبتمبر والتي طعنت أمريكا في القلب لسحق االنتفاضة الفلسطينية دون رحمة واالنقالب على عملية السالم الهشة مع الفلسطينيني ثم دخلت إيران على الخط لتنشر األحقاد الطائفية الـدمـويـة بـني بني يـعـرب، وهــي أحـقـاد مرعبة وسريعة ال يمكن أن تكون إسرائيل بعيدة عنها.. ثم جاء الربيع العربي وما تاله من فصول دموية تفرعت وتشعبت وتداخلت لتتحول فيما بعد إلى موجات إرهابية شملت العالم أجمع. وهكذا في كل ستة أشهر يقوم فيها رئيس أمريكا بتأجيل القرار يكون هناك عشرات اآلالف من القتلى العرب الذين سقطوا برصاص عرب آخرين حتى جاء ترمب فقام بتأجيل القرار لستة أشهر مثل أسالفه كي يتأكد من أن هذه األمة قد فقدت أي قدرة على الحركة بالفعل قبل أن يتخذ القرار املنتظر في الجولة الثانية ويفي بالوعد الذي قطعه على نفسه في االنتخابات. واليوم نجد أنفسنا أمـام معركة دبلوماسية وثقافية كبيرة ال تنفع فيها جعجعة تجار الكالم ورواد حفالت التخوين مثلما ال ينفع فيها تهافت أنصار التطبيع الذين يروجون لسالم مجاني تضيع في دهاليزه املعتمة حقوق الفلسطينيني والعرب.. وعلينا أن ندرك بأن الدفاع عن مبدأ القدس عاصمة لفلسطني هو واجب كل إنسان يهمه انتصار الـحـق على الباطل ولـيـس الـعـرب واملسلمني فـقـط، صحيح أن مهمة الدفاع عن القدس – فعال ال قوال – تبدو مهمة صعبة وشاقة في زمن الهوان العربي ولكنها مسؤوليتنا التاريخية فاذا تخلينا عن حق الفلسطينيني اليوم فسيأتينا في الغد من يرغمنا على التخلي عن حقوقنا .!