Okaz

احملاكم للمنقبات فقط

- * محام وكاتب عبدالرحمن الالحم Twitter: @allahim

«تغطي يا مــره»، العبارة الشهيرة التي بدأت باالنحسار في محيطنا االجتماعي، بسبب وعي الناس ومعرفتهم لحقوقهم وتقديسهم لحرياتهم الشخصية، يبدو أنها عادت من جديد، لكن هــذه املـــرة تسللت إلــى املـؤسـسـا­ت الحكومية مــع ظهور ظاهرة املوظف املحتسب، الــذي يلزم املراجعات بـأن يغطني وجوههن كشرط لتقديم الخدمة، ولعل آخر حادثة في سلسلة االحتساب الوظيفي كان مسرحها املحكمة العامة بالرياض، حـيـث قــام أحــد الـقـضـاة بــإخــراج محامية مـتـدربـة مــن مبنى املحكمة بالقوة من خالل الشرطة، ألنها كانت كاشفة الوجه في تصرف مهني ومذل لكرامة اإلنسان ودون أي سند قانوني، حيث ال يوجد نص قانوني في اململكة العربية السعودية يلزم املرأة بأن تغطي وجهها، وال يجوز لقاض أو غيره أن يخلق من تلقاء نفسه نصا قانونيا ويلزم به الناس، وتبقى قناعته الفقهية تخصه وحده دون غيره وال يحق له أن يلزم بها أحدا مهما علت سلطته، فهناك مؤسسات تشريعية في الدولة هي التي تصدر النصوص القانونية امللزمة لكل من يسكن على تراب هذا الوطن، وإذا كان هناك نظام أو تعميم يمنع املرأة التي ال تغطي وجهها من دخول املحاكم فعلى املؤسسة العدلية أن تنشره وتعلقه على أسـوار املحاكم كما تفعل مع التعميم امللزم للمراجعني بارتداء الـزي الوطني، وليس للقاضي وال غيره الحق في أن يمنع إنسانا من دخول دار العدالة والتي يقصدها الناس ينشدون فيها العدل واإلنصاف وليس له أن يضع شروطا أو ضوابط لتقديم الخدمة للناس وليس من شروط تقديم الخدمة من قبل املوظفني في الدولة، بما فيهم القضاة أن يلتزم طالبها بالقناعات الفقهية للموظف، كما أنه ال يحق للموظف أن يمتنع عن تقديم الخدمة ألن املراجع غير ملتزم بضوابطه الفقهية فضال على أن يحق له إخراجه من مؤسسة حكومية، ومتى ما تركنا هذه الحادثة تمر مرور الـكـرام فسنجد حليقي اللحى واملسبلني ثيابهم يرمى بهم على قارعة الطريق ألن قاضيا أو موظفا له رأي فقهي يحرم سلوكهم وخياراتهم الشخصية. إن قـنـاعـات الـقـاضـي الشخصية يطبقها على مــن هــم تحت وصـايـتـه ويطبقها فــي أمـالكــه الـخـاصـة ولـيـس فــي مؤسسة حكومية يرفع على ساريتها العلم الوطني، ألن اململكة دولة مؤسسات ال يتحكم بها أفراد يفرضون قناعاتهم الفقهية من خالل سلطتهم، فذلك أصبح من املاضي الذي ال زلنا ننعتق منه وننطلق بخطى حثيثة نحو املستقبل، في حراك دؤوب لن يعيقه من يريد جرنا إلى املاضي.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia