Okaz

«اجتثاث الفساد»

اختبار يبدأ بـ«القمة» وينذر «القاع»

- عبدالرحمن الختارش (جازان) @okaz9

مع حلول مساء السبت 15 صفر 9341هـ، املوافق 04 نوفمبر ،2017 وجد الشعب السعودي نفسه أمام تنفيذ وعد قطعه لهم خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في كلمته التي ألقاها يوم الثالثاء 19 جمادى األولى ،1436 التي وعد فيها بالقضاء على الفساد وحفظ املال العام، إذ قال: «إخواني وأخواتي.. إن التطوير سمة الزمة للدولة منذ أيـام املؤسس - رحمه الله - وسـوف يستمر التحديث وفقا ملا يشهده مجتمعنا من تقدم، وبما يتفق مع ثوابتنا الدينية وقيمنا االجتماعية، ويحفظ الحقوق لفئات املجتمع كافة». ثم أضاف -يحفظه الله- قائال: «وقد وجهنا بمراجعة أنظمة األجهزة الرقابية بما يكفل تعزيز اختصاصاتها، واالرتــقـ­ـاء بــأداء مهامها ومسؤولياته­ا، ويسهم في القضاء على الفساد، ويحفظ املال العام، ويضمن محاسبة املقصرين».

حملة استدعاءات

ففي الرابع من نوفمبر 2017 أصدر خادم الحرمني الشريفني امللك سلمان بن عبدالعزيز، أمــرًا ملكيًا بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولـي العهد األمير مـحـمـد بــن ســلــمــا­ن، وعــضــويـ­ـة رئــيــس هـيـئـة الــرقــاب­ــة والـتـحـقـ­يـق، ورئيس الهيئة الوطنية ملكافحة الفساد، ورئيس ديــوان املراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة، وتقوم اللجنة استثناء من األنظمة والتنظيمات والتعليمات واألوامــر والـقـرارا­ت بحصر املخالفات والجرائم واألشخاص والكيانات ذات العالقة في قضايا الفساد العام، وبالتحقيق وإصدار أوامر القبض واملنع من السفر، واتخاذ ما يلزم مع املتورطني في قضايا الفساد العام. إذ شهد تـاريـخ إصــدار هــذا الـقـرار أوامــر التحفظ على عــدد مـن القياديني واملسؤولني في مناصب عليا في الدولة، للتحقيق معهم في شبهات فساد فــي املـــال الــعــام، إذ اعـتـبـرت هــذه الـخـطـوة كــجــرس إنــــذار آلخــريــن، ورطوا أنفسهم بطريقة مباشرة أو غيرها، للعمل على تسوية أوضاعهم، والعمل على مصالح املـواطـن قبل مصالحهم، ســواء كانوا في مواقع حكومية أو خاصة تمس حياة املواطن في هذا البلد املعطاء.

احتفاء شعبي ورسمي

احتفى الشعب السعودي في مساء الرابع من نوفمبر ،2017 على الصعيدين الشعبي والرسمي سواء في وسائل اإلعـالم املختلفة أو منصات التواصل االجـتـمـا­عـي، بــقــرار لجنة حـصـر مـخـالـفـا­ت الـفـسـاد الــعــام، الـتـي أمــر خادم الحرمني الشريفني بإنشائها برئاسة ولي العهد األمير محمد بن سلمان، واعتبروا أن األوامر امللكية التي أصدرها العاهل السعودي، تأتي في إطار حربه على الفساد بحزم وعزم، في خطوة نوعية تستهدف اجتثاث الفساد من جــذوره ومحاسبة الفاسدين وكـل من يضر باملال العام، وأن حيثيات األمــر امللكي اعتمدت على مـا لـوحـظ مـن استغالل مـن قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على املصلحة العامة، واعتدوا على املال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخالق أو وطنية، مستغلني نفوذهم والسلطة التي اؤتمنوا عليها في التطاول على املال العام وإساءة استخدامه واختالسه.

أصداء عاملية وتأييد

ردود أفعال إيجابية واهتمام واسع نالته القرارات التي اتخذتها اململكة العربية السعودية ملحاربة الفساد، وأبرزت كثير من وسائل اإلعالم العاملية واإلقليمية منها قناة العربية أنباء حملة السعودية ملحاربة الفساد، مشيرة إلى توقيف 11 أميرًا وإعفاء 3 مسؤولني. وأشـارت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية، أن الحملة ضد الفساد تــأتــي بــالــتــ­زامــن مــع تــوجــه ولـــي الــعــهــ­د الــســعــ­ودي نــحــو بــرنــامـ­ـج إصالح اقــتــصــ­ادي جــــذري، لتخليص املـمـلـكـ­ة مــن االعــتــم­ــاد عـلـى عــائــدات النفط، وأضـافـت أن تصريحات ولـي العهد السعودي في وقـت سابق هـذا العام، التي قال فيها: «ال أحد متورطا في الفساد سيتمكن من اإلفـالت، وإن كان أميرًا أو وزيــرًا» تحققت. وتطرقت صحيفة «نيويورك تايمز» األمريكية، إلى اإلجــراءا­ت السعودية واصفة إياها بـالخطوة الجديدة في سلسلة من الخطوات الهادفة، وأفــادت بأن الكثير من السعوديني أشــادوا بالخطوات التي يقوم بها ولي العهد األمير محمد بن سلمان، خصوصا في معالجة املشكالت االقتصادية التي تواجه اململكة، واملضي قدما في خطة طموحة تهدف إلى تقليل االعتماد على النفط في املستقبل. ونقلت شبكة «سي إن إن» اإلخبارية في تقرير لها مقتطفات من األمر امللكي السعودي بتشكيل لجنة ملحاربة الفساد، ولفتت الشبكة إلى أن ولي العهد األمير محمد بن سلمان الذي يترأس لجنة مكافحة الفساد، ينظر إليه السعوديون على أنه رجـل قـوي ومصلح، وأضافت أنـه منذ تعيينه وليًا للعهد، تم رفـع بعض القيود عن املرأة، مضيفة أنه دعا إلى هدم األيديولوج­يات املتطرفة والعودة إلى اإلسالم املعتدل.

ولي العهد يقمع الفساد

تحدث ولي العهد األمير محمد بن سلمان كثيرا عن محاربة الفساد ابتداء من الوعد الذي قطعه للجميع في لقاء تلفزيوني قبل األمر امللكي بتشكيل لجنة ملحاربة الفساد، حني قـال «ال أحـد متورطًا في الفساد سيتمكن من اإلفــالت وإن كـان أمـيـرًا أو وزيــرًا» وبعد أن وجـه خــادم الحرمني الشريفني بتشكيل لجنة عليا ملكافحة الـفـسـاد أكــد سـمـوه فــي مقابلة مــع صحيفة «نــيــويــ­ورك تـايـمـز» األمـريـكـ­يـة أجــراهــا الـكـاتـب تــومــاس فــريــدمـ­ـان، نشرت (الجمعة 24 نوفمبر)، إن 4 % مـن املـوقـوفـ­ني أنــكــروا تهم الـفـسـاد، وأبدوا رغبتهم فــي الـتـوجـه إلــى الـقـضـاء، مشيرًا إلــى أن الـنـائـب الــعــام يتوقع أن تبلغ قيمة املبالغ املستعادة عبر التسوية نحو 100 مليار دوالر. وأشار ولـي العهد قائال: إنـه عندما تولى امللك سلمان بن عبدالعزيز الحكم في عام 2015 (في الوقت الـذي كان يشهد العالم تراجعًا ألسعار النفط)، قام بقطع عهد على نفسه بوضع حد لكل هـذا، مضيفًا: «رأى والـدي أنه ليس من املمكن أن نبقى ضمن (مجموعة العشرين)، في حني تنمو بالدنا مع هذا املستوى من الفساد، ففي وقت سابق من عام ،2015 كانت أول األوامر التي أعطاها والــدي لفريقه هي جمع كل البيانات املتعلقة بالفساد لدى الطبقة العليا، وظــل الـفـريـق يعمل لعامني كاملني حتى تـوصـلـوا لجمع هذه املعلومات األكثر دقة، ومن ثم جـاءوا بنحو 200 اسـم». وتابع األمير محمد بن سلمان أنه عندما كانت جميع البيانات جاهزة، تحرك النائب العام سعود املعجب، وأوضح أن كل من اشتبه به، سواء كان مليارديرًا أو أميرًا، تم القبض عليه ووضعه أمام خيارين: «لقد أريناهم جميع امللفات التي بحوزتنا. وبمجرد أن اطلعوا عليها، وافق ما نسبته 95 % منهم على التسويات»، األمر الذي يعني أن عليهم دفع مبالغ مادية، أو وضع أسهم من شركاتهم في وزارة املالية السعودية. وأضاف ولي العهد قائال: إنه ال توجد طريقة يمكن من خاللها القضاء على الفساد إال إذا كان من القمة إلى القاع، «لذلك فعليك أن ترسل إشارة، واإلشارة التي سيأخذها الجميع بجدية هي (إنك لن تنجو بفعلتك، وإننا نرى بالفعل تأثيرا ذلك». إن اإلجـراءات التي اتخذها ولي العهد األمير محمد بن سلمان في اآلونة األخيرة، والتي هدفت بشكل رئيسي للقضاء على الفساد والتالعب املالي، كانت بمثابة شهادة الضمان التي تقدمها اململكة للعالم، لضمان نجاح مشروعها التحولي نحو الحداثة والرفاهية وتنويع االقتصاد.

 ??  ?? األمير محمد بن سلمان
األمير محمد بن سلمان

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia