تلميح وتصريح
إلى البشير.. شنو احلاصل يا زول ؟
عندما كان السودان وحيدًا يواجه العقوبات القاسية كان أخونا الـرئـيـس عـمـر البشير يـرفـع عـصـاه مـلـوحـا فــي الــهــواء ويدوس بــقــدمــه األرض، مـجـلـجـا بــصــوتــه: ســـوف نــــدوس أمــريــكــا، لكن الـعـقـوبـات اسـتـمـرت وعــانــى الــســودان كـثـيـرا بسبب السياسات امللتبسة واملــريــبــة، بينما البشير يتنقل بتحالفاته الداخلية والخارجية من طرف إلى طرف، يناور هنا وهناك، ويبدي الود لهذا وذاك، غير عابئ بما يعانيه الشعب من شظف العيش في بلد يستطيع تـزويـد العالم بغذائه لـو أحـسـن استثمار موارده الطبيعية الهائلة. وعندما ضاق الحال بالسودان لم يجد غير اململكة التي تعاملت معه بروح األخوة الصادقة، وألقت بكل ثقل عاقتها مع أمريكا لرفع العقوبات عنه، رغم املواقف السابقة تجاه اململكة في بعض القضايا وتصرفاته امللتبسة وتجديفه في مراكب بعض الدول التي تناصب اململكة العداء سرا أو علنا، مثل إيران وقطر. رفعت العقوبات بفضل اململكة لكن البشير ما لبث أن رد الجميل سريعا وبطريقته الخاصة. الـــزيـــارة الــتــي وصــفــت بـالـتـاريـخـيـة لـلـرئـيـس الــتــركــي أردوغــــان إلـى الـسـودان تــدور حولها كثير من األسئلة، الـسـودان يستقبل أردوغـان في وقت شديد الحساسية والتعقيد، تركيا تقف بقوة وعانية مع قطر التي تتآمر على اململكة واإلمــارات والبحرين وعلى مصر جارة السودان الشمالية التي كان يطمح أردوغان أن تكون تابعة لسلطانه من خال حكم اإلخوان. كـــــان االحــــتــــفــــال بــــــأردوغــــــان الـــــــذي يــطــمــح واهــــمــــًا إلـــــى إعـــــادة اإلمـبـراطـوريـة العثمانية التوسعية احـتـفـاال غير عـــادي، وكان يتبختر كإمبراطور يتجول في إحدى إقطاعياته وليس كرئيس دولة زائر لدولة مستقلة لها سيادتها. وقبل زيارته كان قد أثار مشكلة بسبب إعادة تغريدة لوزير الخارجية اإلماراتي، جعلته يـنـفـث كــل أحــقــاده عـلـى الــعــرب وينتقصهم ويـتـبـاهـى بتأريخ احتال أجداده للبلدان العربية وتنكيلهم بشعوبها. لــكــن الــخــطــيــر جـــدًا فـــي الـــزيـــارة هـــو تـسـلـيـم الــبــشــيــر ألردوغـــــان جزيرة وميناء سواكن على البحر األحمر، املقابلة تماما ملدينة جدة السعودية، والتي يرى فيها أردوغــان ذكـرى ورمزية لزمن اإلمبراطورية العثمانية التي كانت أساطيلها تتخذ منها مقرا. تمت صفقة الجزيرة ضمن حزمة من االتفاقيات الكثيرة التي من شأنها بسط يد تركيا في السودان، لكن أخطر ما في األمر تلميح أردوغان إلى ملحق سري في صفقة الجزيرة لم يعلن عنه. حسنًا، ما الـذي يجعل البشير يسلم تركيا جزيرة إستراتيجية في موقع مهم محاذ للمملكة وهي دولة تسعى علنا إلى التوسع والنفوذ لدول عربية، خصوصا دول الخليج ومصر. وما الذي يجعله يتحالف مع رئيس دولة يحتضن ويدعم تنظيم اإلخوان املصنف إرهـابـيـا، ويقف بقوة مـع دولــة قطر ويتآمر مـع إيران علينا، وما هي فائدة املقايضة بعاقة السودان مع أكثر الدول دعما له ووقوفا معه لصالح دولة تقف موقف العداء لدول عربية وتتربص بها ؟. إنها قضية ال بد من التعامل معها بما تقتضيه خطورتها، وال بد من سؤال الرئيس البشير: شنو الحاصل يا زول ؟